البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَءَايَةٞ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ} (33)

وجاءت هذه الجملة بعد ذكر الإهلاك تبييناً أنه تعالى ليس من أهله يترك ، بل بعد إهلاكهم جمع وحساب وثواب وعقاب ، ولذلك أعقب هذا بما يدل على الحشر من قوله : { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها } وما بعده من الآيات .

وبدأ بالأرض ، لأنها مستقرهم ، حركة وسكوناً ، حياة وموتاً .

وموت الأرض جدبها ، وإحياؤها بالغيث .

والضمير في لهم عائد على كفار قريش ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر .

و { أحييناها } : استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية ، وكذلك نسلخ .

وقيل : أحييناها في موضع الحال ، والعامل فيها آية بما فيها من معنى الإعلام ، ويكون آية خبراً مقدماً ، والأرض الميتة مبتدأ ؛ فالنية بآية التأخير ، والتقدير : والأرض الميتة آية لهم محياة كقولك : قائم زيد مسرعاً ، أي زيد قائم مسرعاً ، ولهم متعلق بآية ، لا صفة .

وقال الزمخشري : ويجوز أن يوصف الأرض والليل بالفعل ، لأنه أريد بهما الجنسان مطلقين لا أرض ، وليل بإحيائهما ، فعوملا معاملة النكرات في وصفها بالأفعال ونحوه :

ولقد أمر على اللئيم يسبني . . .

انتهى .

وهذا هدم لما استقر عند أئمة النحو من أن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة ، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة ، ولا دليل لمن ذهب إلى ذلك .

وأما يسبني فحال ، أي ساباً لي ، وقد تبع الزمخشري ابن مالك على ذلك في التسهيل من تأليفه .