روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

{ وَهَلْ ءاتِيكَ نَبَؤُا الخصم } استفهام يراد منه التعجب والتشويق إلى استماع ما في حيزه لإيذانه بأنه من الأنباء البديعة التي حقها أن تشيع فيما بين كل حاضر وبادي ، والجملة قيل عطف على { إِنَّا سَخَّرْنَا } [ ص : 18 ] من قبيل عطف القصة ، وقيل : على { اذكر } [ ص : 17 ] . والخصم في الأصل مصدر لخصمه بمعنى خاصمه أو غلبه ويراد منه المخاصم ويستعمل للمفرد والمذكر وفروعهما ؛ وجاء للجمع هنا على ما قال جمع لظاهر ضمائره بعد وربما ثنى وجمع على خصوم واخصام ، وأصل المخاصمة على ما قال الراغب أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي بجانبه أو أن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب .

{ إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب } أي علوا سوره ونزلوا إليه فتفعل للعلو على أصله نحو تسنم الجمل أي علا سنامه وتذري الجبل علا ذروته ، والسور الجدار المحيط المرتفع ، والمحراب الغرفة وهي العلية ومحراب المسجد مأخوذ منه لانفصاله عما عداه أو لشرفه المنزل منزلة علوه قاله الخفاجي ، وقال الراغب : محراب المسجد قيل : سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى ، وقيل : لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريبا من أشغال الدنيا ومن توزع الخاطر ، وقيل : الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم لما اتخذت المساجد سمي صدره به ، وقيل : بل المحراب أصله في المجد وهو اسم خص به صدر المجلس فسمي صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد وكأن هذا أصح انتهى ، وصرح الجلال السيوطي أن المحاريب التي في المساجد بهيئتها المعروفة اليوم لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رسالة في تحقيق ذلك ، وإذ متعلقة بمحذوف مضاف إلى الخصم أي نبأ تحاكم الخصم إذ تسوروا أو بنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داود عليه السلام ، وإسناد الاتيان إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم ، وجوز تعلقها به بلا حذف على جعل إسناد الاتيان إليه مجازياً أو بالخصم وهو في الأصل مصدر والظرف قنوع يكفيه رائحة اللفعل ، وزعم الحوفي تعلقها بأتى ولا يكاد يصح لأن اتيان نبأ الخصم لم يكن وقت تسورهم المحراب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس ، وكان معروفا بذلك مقصودا ، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما اللّه فتنة لداود ، وموعظة لخلل ارتكبه ، فتاب اللّه عليه ، وغفر له ، وقيض له هذه القضية ، فقال لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ } فإنه نبأ عجيب { إِذْ تَسَوَّرُوا } على داود { الْمِحْرَابَ } أي : محل عبادته من غير إذن ولا استئذان ، ولم يدخلوا عليه مع باب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وهل أتاك يا محمد نبأ الخصم، وقيل: إنه عُني بالخصم في هذا الموضع ملكان...

وقوله:"إذْ تَسَوّرُوا المِحْرَابَ": يقول: دخلوا عليه من غير باب المحراب والمحراب مقدّم كل مجلس وبيت وأشرفه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

حرف الاستفهام من الله عز وجل يخرج على الإيجاب أو على التقرير والتنبيه.

{وهل أتاك نبأ الخصم} على وجهين: أحدهما: قد أتاك نبأ الخصم، فتفكر فيه كيف ابتلاه الله عز وجل وفتنه في ما ذكر.

والثاني: أتاك: أرسل إليك نبؤه وخبره: أن كيف ابتلاؤه وفتنته؟... وعلى هذا يجوز أن يكون قوله: عز وجل: {واذكر عبدنا داوود} أي اذكر ما قربه هو، أو اذكر متقربه إياه، أو اذكر خصومة الخصمين إليه، أو اذكر ما أعطي هو من الحكمة والحكم وفصل الخطاب...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

تسوروا أنهم أتوه من أعلى سوره.

في المحراب أربعة أقاويل:

أحدها: أنه صدر المجلس، ومنه محراب المسجد، قاله أبو عبيدة.

الثاني: مجلس الأشراف الذي يتحارب عليه لشرف صاحبه، حكاه ابن عيسى.

الثالث: أنه المسجد، قاله يحيى بن سلام.

الرابع: أنه الغرفة لأنهم تسوروا عليه فيها...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" وهل أتاك نبؤ الخصم "النبأ الخبر بما يعظم حاله.

الخصم: المدعي على غيره حقا من الحقوق المنازع له فيه...

"إذ تسوروا المحراب" حين صعدوا إليه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

استفتحت بالاستفهام تعجيباً من القصة وتفخيماً لها؛ لأن المعنى: هل أتاك هذا الأمر العجيب الذي هو عبرة، فكأن هذا الاستفهام إنما هو تهيئة نفس المخاطب وإعدادها للتلقي...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الله تعالى لما مدحه وأثنى عليه من الوجوه العشرة أردفه بذكر قصة ليبين بها أن الأحوال الواقعة في هذه القصة، لا يبين شيء منها كونه عليه السلام مستحقا للثناء والمدح العظيم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان السياق للتدريب على الصبر والتثبيت الشافي والتدبر التام والابتلاء لأهل القرب، وكان المظنون بمن أوتي فصل الخطاب أن لا يقع له لبس في حكم ولا عجلة في أمر، وكان التقدير: هل أتتك هذه الأنباء، عطف عليه -مبيناً عواقب العجلة معلماً أن على من أعطى المعارف أن لا يزال ناظراً إلى من أعطاه ذلك سائلاً له التفهيم، استعجازاً لنفسه متصوراً لمقام العبودية التي كرر التنبيه عليها في هذه السورة بنحو قوله:"نعم العبد" قوله في سياق ظاهره الاستفهام وباطنه التنبيه على ما في ذلك من الغرابة والعجب لتعظم الرغبة في سماعه فيوعى حق الوعي...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومع هذا كله فقد تعرض داود للفتنة والابتلاء؛ وكانت عين الله عليه لترعاه وتقود خطاه، وكانت يد الله معه تكشف له ضعفه وخطأه، وتوقيه خطر الطريق وتعلمه كيف يتوقاه:

(وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب؟ إذ دخلوا على داود ففزع منهم. قالوا: لا تخف. خصمان بغى بعضنا على بعض. فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط. واهدنا إلى سواء الصراط. إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها، وعزني في الخطاب. قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات -وقليل ما هم- وظن داود أنما فتناه. فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب)..

وبيان هذه الفتنة أن داود النبي الملك، كان يخصص بعض وقته للتصرف في شؤون الملك، وللقضاء بين الناس. ويخصص البعض الآخر للخلوة والعبادة وترتيل أناشيده تسبيحاً لله في المحراب. وكان إذا دخل المحراب للعبادة والخلوة لم يدخل إليه أحد حتى يخرج هو إلى الناس.

وفي ذات يوم فوجى ء بشخصين يتسوران المحراب المغلق عليه. ففزع منهم. فما يتسور المحراب هكذا مؤمن ولا أمين! فبادرا يطمئنانه. (قالوا: لا تخف. خصمان بغى بعضنا على بعض). وجئنا للتقاضي أمامك (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {وهل أتاكَ نَبأ الخصم} إلى آخرها معطوفة على جملة {إنَّا سخرنا الجبال معه} [ص: 18]. والإِنشاء هنا في معنى الخبر، فإن هذه الجملة قصت شأناً من شأن داود مَع ربه تعالى فهي نظير ما قبلها.

والاستفهام مستعمل في التعجيب أو في البحث على العلم فإن كانت القصة معلومة للنبيء صلى الله عليه وسلم كان الاستفهام مستعملاً في التعجيب وإن كان هذا أول عهده بعلمها كان الاستفهام للحث مثل {هل أتاكَ حديثُ الغاشِيَةِ} [الغاشية: 1]. والخطاب يجوز أن يكون لكل سامع والوجهان الأولان قائمان. والنبأ: الخبر.

والتعريف في {الخَصْمِ} للعهد الذهني، أي عهد فرد غير معيّن من جنسه أي نبأ خصم معيّن هذا خبره، وهذا مثل التعريف في: ادخل السوق. والخصام والاختصام: المجادلة والتداعي، وتقدم في قوله: {هذان خصمان} في سورة [الحج: 19].

و {الخصم}: اسم يطلق على الواحد وأكثر، وأريد به هنا خصمان لقوله بعده {خَصْمَانِ}. وتسميتهما بالخصم مجاز بعلاقة الصورة وهي من علاقة المشابهة في الذات لا في صفة من صفات الذات، وعادة علماء البيان أن يمثلوها بقول القائل إذَا رأى صورة أسد: هذا أَسد.

وضمير الجمع مراد به المثنى، والمعنى: إذ تسورا المحراب، والعرب يعدلون عن صيغة التثنية إلى صيغة الجمع إذا كانت هناك قرينة لأن في صيغة التثنية ثقلاً لنْدرة استعمالها، قال تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] أي قلباكما.

و {إذْ تَسَوَّرُوا} إذا جعلت {إذ} ظرفاً للزمن الماضي فهو متعلق بمحذوف دل عليه {الخَصم}، والتقدير: تحاكم الخصم حين تَسوروا المحراب لداود.

ولا يستقيم تعلقه بفعل {أتاكَ} ولا ب {نَبَأ} لأن النبأ الموقت بزمنِ تسوّر الخصم محراب داود لا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم.

ولك أن تجعل {إذ} اسماً للزمن الماضي مجرداً عن الظرفية وتجعله بدل اشتمال من {الخصم} لما في قوله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها} [مريم: 16]، فالخصم مشتمل على زمن تسورهم المحراب، وخروج {إذ} عن الظرفية لا يختص بوقوعها مفعولاً به بل المراد أنه يتصرف فيكون ظرفاً وغير ظرف.

والتسور: تفعل مشتق من السور، وهو الجدار المحيط بمكان أو بلدٍ يقال: تَسوّر، إذا اعتلى على السور، ونظيره قولهم: تسنم جملَهُ، إذا علا سَنامه، وتَذَرأه إذا علا ذروته، وقريب منه في الاشتقاق قولهم: صَاهى، إذا ركب صهوة فرسه.

والمعنى: أن بيت عبادة داود عليه السلام كان محوطاً بسُور لئلا يدخله أحد إلا بإذن من حارس السور.

و {المحراب}: البيت المتّخذ للعبادة، وتقدم عند قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب} في سورة [سبأ: 13].