روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً } أي أعطيناه نعمة من صحة . وأمن ، وجدة ، وغيرها وأوصلناها إليه بحيث يجد لذتها فالاذاقة مجاز عن هذا الإعطاء { ثُمَّ } أي سلبنا تلك الرحمة { الكتاب مِنْهُ } صلة النزع ، والتعبير به للاشعار بشدة تعلقه بها وحرصه عليه { أَنَّهُ } شديد اليأس كثيره قطوع رجاءه من عود مثل تلك النعمة عاجلاً أو آجلاً بفضل الله تعالى لعدم صبره وتوكله عليه سبحانه وثقته به .

{ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } كثير الكفران لما سلف لله تعالى عليه من النعم ، وتأخير هذا الوصف عن وصف يأسهم لرعاية الفواصل على أن اليأس من باب الكفران للنعمة السالفة أيضاً .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً } [ هود : 9 ] الخ تضمن الإشارة إلى أنه ينبغي للعبد أن يكون في السراء والضراء واثقاً بربه تعالى متوكلاً عليه غير محتجب عنه برؤية الأسباب لئلا يحصل له اليأس والكفران والبطر والفخر بذلك وجوداً وعدماً ، فإن آتاه رحمة شكره أولاً : برؤية ذلك منه جل شأنه بقلبه .

وثانياً : باستعمال جوارحه في مراضيه وطاعاته والقيام بحقوقه تعالى فيها ، وثالثاً : بإطلاق لسانه بالحمد والثناء على الله تعالى وبذلك يتحقق الشكر المشار إليه بقوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور } [ سبأ : 13 ] وإلى ذلك أشار من قال :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا

وبالشكر تزداد النعم كما قال تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] ، وعن علي كرم الله تعالى وجهه إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر ، ثم إن نزعها منه فليصبر ولايتهم الله تعالى بشيء فإنه تعالى أبر بالعبد وأرحم وأخبر بمصلحته وأعلم ، ثم إذا أعادها عليه لا ينبغي أن يبطر ويغتر ويفتخر بها على الناس فإن الاغترار والافتخار بما لا يملكه من الجهل بمكان ، وقد أفاد سبحانه أن من سجايا الإنسان في الشدة بعد الرحمة اليأس والكفران وبالنعماء بعد الضراء الفرح والفخر