اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً } الآية .

لما ذكر أنَّ عذاب الكُفَّار وإن تأخَّر لا بد أن يحيق بهم ، ذكر بعدهُ ما يدلُّ على كفرهم ، وعلى كونهم مستحقين لهذا العذاب ، فقال : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان } . وقيل : المراد منه مطلق الإنسان ؛ لأنَّه استثنى { إِلاَّ الذين صَبَرُواْ } ؛ ولأنه موافق لقوله تعالى : { إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ } [ العصر : 2 ، 3 ] { إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً } [ المعارج : 19 ] ولأنَّ مزاج الإنسان مجبولٌ على الضَّعف والعجز .

قال ابنُ جريج في تفسير هذه الآية : يا ابنَ آدم إذا نزلت بك نعمةٌ من الله ، فأنت كفورٌ ، وإذا نزعت منك فيئوسٌ قنوط{[1]} .

وقيل : المرادُ به الكافر ؛ لأنَّ الأصل في المفرد المعرف بالألف واللاَّم أن يعود على المعهود السَّابق إلاَّ أن يمنع مانع منه ، وههنا لا مانع ؛ فوجب حمله على المعهود السابق ، وهو الكافر المذكور في الآية المتقدمة .

وأيضاً فالصِّفاتُ المذكورة في الإنسان هنا لا تليقُ إلاَّ بالكافر ؛ لأنَّهُ وصفهُ بكونه كفوراً ، وهو تصريح بالكفر ، ووصفه عند وجدان الراحة بقوله : { ذَهَبَ السيئات عنيا } وذلك جزاءة على الله تعالى ، ووصفه بكونه فرحاً { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين } [ القصص : 76 ] وصفه بكونه فخوراً ، وذلك ليس من صفات أهل الدِّين . وإذا كان كذلك ؛ وجب حمل الاستثناء المذكور في هذه الآية على الاستثناء المنقطع . واعلم أنَّ لفظ " الإذَاقة والذَّوق " يفيدُ أقل ما يوجدُ من الطَّعم ، فكان المراد أنَّ الإنسان بوجدان أقل القليل من الخير في العاجلة يقعُ في الكفر والطُّغيان وبإدراك أقل القليل من البلاءِ يقع في اليأس والقنوط ، قال تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً } نعمة وسعة { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } سلبناها منه { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } في الشِّدة كفور بالنعمة .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.