نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ} (9)

ولما كان قولهم ذلك ناشئاً عن طبع الإنسان على الوقوف مع الحالة الراهنة والعمى عن الاستضاءة بنور العقل فيما يزيلها في العاقبة ، بين ذلك ليعلم أن طبعه مناف لما تضمنه مقصود السورة من الإحكام الذي هو ثمرة العلم . وبعلم ذلك يعلم مقدار نعمته على من حفظه على ما فطره عليه من أحسن تقويم{[38879]} بقوله مؤكداً لأن كل أحد ينكر أن يكون طبعه كذلك : { ولئن أذقنا } أي بما لنا من العظمة { الإنسان } أي هذا النوع المستأنس بنفسه ؛ ولما كان من أقبح الخلال استملاك المستعار . وكانت النعم عواري من الله يمنحها من شاء من عباده ، قدم الصلة دليلاً على العارية فقال : { منا رحمة } أي نعمة عظيمة فضلاً منا عليه لا بحوله ولا بقوته من جهة لا يرجوها بما دلت عليه أداة الشك{[38880]} ومكناه من التلذذ بها تمكين{[38881]} الذائق من المذوق { ثم نزعناها } أي بما لنا من العظمة وإن كره ذلك { منه } أخذاً لحقنا { إنه ليؤس } أي شديد اليأس من أن يعود له مثلها { كفور* } أي عظيم الستر لما سلفه له من الإكرام لأن شأنه ذلك وخلقه إلا من رحم ربك


[38879]:زيد من ظ.
[38880]:زيد من ظ.
[38881]:من ظ، وفي الأصل: ليكن.