روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

{ وَقَالَ } يوسف عليه السلام { لِفِتْيَانِهِ } لغلمانه الكيالين كما قال قتادة . وغيره أو لأعوانه الموظفين لخدمته كما قيل ، وهو جمع فتى أو اسم جمع له على قول وليس بشيء ، وقرأ أكثر السبعة ( لفتيته ) وهو جمع قلة له ، ورجحت القراءة الأولى بأنها أوفق بقوله : { اجعلوا بضاعتهم في رِحَالِهِمْ } فإن الرحال فيه جمع كثرة ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد فينبغي أن يكون في مقابلة صيغة جمع الكثرة ، وعلى القراءة الأخرى يستعار أحد الجمعين للآخر . روى أنه عليه السلام وكل بكل رحل رجلاً يعبى فيه بضاعتهم التي اشتروا بها الطعام وكانت نعالاً وادماً ؛ وأصل البضاعة قطعة وافرة من المال تقتني للتجارة والمراد بها هنا ثمن ما اشتروه .

والرحل ما على ظهر المركوب من متاع الراكب وغيره كما في البحر ، وقال الراغب : هو ما يوضع على البعير للركوب ثم يعبر به تارة عن البعير وأخرى عما يجلس عليه في المنزل ويجمع في القلة على أرحلة ، والظاهر أن هذا الأمر كان بعد تجهيزهم ، وقيل : قبله ففيه تقديم وتأخير ولا حاجة إليه ، وإنما فعل عليه السلام ذلك تفضلاً عليهم وخوفاً أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به مرة أخرى وكل ذلك لتحقيق ما يتوخاه من رجوعهم بأخيهم كما يؤذن به قوله : { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا } أي يعرفون حق ردها والتكرم بذلك فلعل على ظاهرها وفي الكلام مضاف مقدر ، ويحتمل أن يكون المعنى لكي يعرفوها فلا يحتاج إلى تقدير وهو ظاهر التعلق بقوله : { إِذَا انقلبوا } أي رجعوا { إلى أَهْلِهِمْ } فإن معرفتهم لها مقيدة بالرجوع وتفريغ الأوعية قطعاً ، وأما معرفة حق التكرم في ردها وإن كانت في ذاتها غير مقيدة بذلك لكن لما كان ابتداؤها حينئذ قيدت به { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } حسبما طلبت منهم ، فإن التفضل بإعطاء البدلين ولا سيما عند إعواز البضاعة من أقوى الدواعي إلى الرجوع ، وقيل : إنما فعله عليه السلام لما أنه لم ير من الكرم أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمناً وهو الكريم ابن الكريم وهو كلام حق في نفسه ولكن يأباه التعليل المذكور ، ومثل في هذا ما زعمه ابن عطية من وجوب صلتهم وجبرهم عليه عليه السلام في تلك الشدة إذ هو ملك عادل وهم أهل إيمان ونبوة ، وأغرب منه ما قيل : إنه عليه السلام فعل ذلك توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك ليتبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة ، ووجه بعضهم علية الجعل المذكور للرجوع بأن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة لاحتمال أنه لم يقع ذلك قصداً أو قصداً للتجربة فيرجعون على هذا إما لازم وإما متعد ، والمعنى يرجعونها أي يردونها ، وفيه أن هيئة التعبية تنادي بأن ذلك بطريق التفضل فاحتمال غيره في غاية البعد ، أنهم كيف جزموا بذلك حين رأوها وجعلوا ذلك دليلاً على التفضلات السابقة كما ستحيط به خبراً إن شاء الله تعالى .