فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

{ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجعلوا بضاعتهم فِي رِحَالِهِمْ } . قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم من رواية شعبة وابن عامر ( لفتيته ) ، واختار هذه القراءة أبو حاتم والنحاس وغيرهما . وقرأ سائر الكوفيين . { لفتيانه } ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود كالقراءة الآخرة . قال النحاس : لفتيانه مخالف للسواد الأعظم ، ولا يترك السواد المجمع عليه لهذا الإسناد المنقطع وأيضاً فإن فتية أشبه من ( فتيان ) ، لأن فتية عند العرب لأقل العدد ، وأمر القليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه ، والجملة مستأنفة جواب سؤال ، كأنه قيل : فما قال يوسف بعد وعدهم له بذلك ، فأجيب بأنه قال لفتيته . قال الزجاج : الفتية والفتيان في هذا الموضع : المماليك . وقال الثعلبي : هما لغتان جيدتان ، مثل الصبيان والصبية . والمراد بالبضاعة هنا هي التي وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام ، وكانت نعالاً وأدماً ، فعل يوسف عليه السلام ذلك تفضلاً عليهم ؛ وقيل : فعل ذلك ليرجعوا إليه مرة أخرى لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمن . قاله الفراء ؛ وقيل : فعل ذلك ليستعينوا بها على الرجوع إليه لشراء الطعام ؛ وقيل : إنه استقبح أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن الطعام ، ثم علل يوسف عليه السلام ما أمر به من جعل البضاعة في رحالهم بقوله : { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ } فجعل علة جعل البضاعة في الرحال هي معرفتهم لها إذا انقلبوا إلى أهلهم ، وذلك لأنهم لا يعلمون بردّ البضاعة إليهم إلاّ عند تفريغ الأوعية التي جعلوا فيها الطعام ، وهم لا يفرغونها إلاّ عند الوصول إلى أهلهم ، ثم علل معرفتهم للبضاعة المردودة إليهم ، المجعولة في رحالهم بقوله : { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } فإنهم إذا عرفوا ذلك وعلموا أنهم أخذوا الطعام بلا ثمن ، وأن ما دفعوه عوضاً عنه قد رجع إليهم ، وتفضل به من وصلوا إليه عليهم ، نشطوا إلى العود إليه ، ولا سيما مع ما هم فيه من الجدب الشديد ، والحاجة إلى الطعام وعدم وجوده لديهم ، فإن ذلك من أعظم ما يدعوهم إلى الرجوع ، وبهذا يظهر أن يوسف عليه السلام لم يردّ البضاعة إليهم إلاّ لهذا المقصد ، وهو رجوعهم إليه ، فلا يتمّ تعليل ردّها بغير ذلك ، والرحال : جمع رحل ، والمراد به هنا : ما يستصحبه الرجل معه من الأثاث . قال الواحدي : الرحل كل شيء معدّ للرحيل من وعاء للمتاع ، ومركب للبعير ، ومجلس ورسن انتهى . والمراد هنا : الأوعية التي يجعلون فيها ما يمتارونه من الطعام . قال ابن الأنباري : يقال للوعاء : رحل ، وللبيت : رحل .

/خ66