النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

قوله عز وجل : { وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم } قرأ حمزة والكسائي وحفص { لفتيانه }{[1505]} وفيهم قولان :

أحدهما : أنهم غلمانه ، قاله قتادة .

الثاني : أنهم الذين كالوا لهم الطعام ، قاله السدي .

وفي بضاعتهم قولان :

أحدهما : أنها وَرِقهم{[1506]} التي ابتاعوا الطعام بها .

الثاني : أنها كانت ثمانية جُرُب فيها سويق{[1507]} المقل ، قاله الضحاك .

وقال بعض العلماء : نبه الله تعالى برد بضاعتهم إليهم على أن أعمال العباد تعود إليهم فيما يثابون إليه من الطاعات ويعاقبون عليه من المعاصي .

{ لعلهم يعرفونها } أي ليعرفوها .

و{ إذا انقلبوا إلى أهلهم } يعني رجعوا إلى أهلهم ، ومنه قوله تعالى : { فانقلبوا بنعمة من الله } [ آل عمران :174 ] .

{ لعلهم يرجعون } أي ليرجعوا .

فإن قيل : فلم فعل ذلك يوسف ؟

قيل : يحتمل أوجهاً خمسة :

أحدها : ترغيباً لهم ليرجعوا ، على ما صرّح به .

الثاني : أنه علم منهم لا يستحلّون إمساكها ، وأنهم يرجعون لتعريفها .

الثالث : ليعلموا أنه لم يكن طلبه لعودهم طمعاً في أموالهم .

الرابع : أنه خشي أن لا يكون عند أبيه غيرها للقحط الذي نزل به .

الخامس : أنه تحرج أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن قوتهم مع شدة حاجتهم .


[1505]:وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم "لفتيته" واختارها أبو حاتم والنحاس وغيرها وعليها سار المؤلف غير أننا عدلنا لمخالفتها لنقط المصاحف المتداولة عندنا.
[1506]:الورق: الدراهم المضروبة.
[1507]:سويق المقل: دقيق ثمر الدوم.