اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (62)

قوله تعالى : { لِفِتْيَانِهِ } قرأ الأخوان ، وحفص : " لِفِتْيَانهِ " ، والباقون : " لِفِتْيَتهِ " قال أبو عليِّ الفارسيُّ رحمه الله : " الفِتْيَان جمعُ كثرة ، والفِتْيَةُ : جمعُ قلَّةٍ ، فالتكثير بالنسبة إلى المأمُورينَ ، والقلةُ بالنسبة إلى المُتنَاولينَ ، وفتًى : يجمعُ على فِتيَانٍ ، وفِتْيَة ، وقد تقدَّم هل فِعْلة في الجموع اسم جمعٍ ، أو جمعُ تكسير ، ومثله " أخ " ؛ فإنه جمع على إخوةٍ وإخوان ؛ وهما لغتان بمثل الصِّبيان والصِّبْيَة " .

فصل

اتفق الأكثرون على أنه عليه الصلاة والسلام أمر بوضعِ تلك البضاعة وهي ثمُ طعامهم ، في رحالهم بحيثُ لا يعرفون ذلك .

وقيل : إنَّهم كانوا عارفين به .

وهي ضعيفُ ؛ لقوله : { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } .

وذُكِر في السبب الذي لأجله أمر يوسف بوضع بضاعتهم في رحالهم وجوهاً :

أولها : أنَّهم إذ فتحُوا المتاع ، فوجدوا بضاعتهم فيه ، علموا أنَّ ذلك كرمٌ من يوسف ؛ فيبعثهم ذلك على العود إليه .

وثانيها : خاف ألاَّ يكون عندهم غيره ؛ لأنَّه زمان قحطٍ .

وثالثها : رأى أنَّ أخذ ثمنِ الطّعامِ من أبيه ، وإخوته شدة حاجتهم إلى الطعام لؤمٌ .

ورابعها : قال الفراء رحمه الله : إنَّهم متى شاهدُوا بضاعتهم في رحالهم ؛ فيحسبوا أن وقع سهواً ، وهم أنبياء وأولاد أنبياء ؛ فيحملهم ذلك على رد البضاعةِ ؛ نفياً للغلطِ ولا يستحلُّون إمساكها .

وخامسها : أراد أن يُحسِنَ إليهم على وجهٍ لا يلحقهم منه عتب ، ولا منَّة .

وسادسها : قال الكلبيُّ : تخوَّف ألاَّ يكون عند أبيه من الورقِ ما يرجعون به مرة أخرى .

وسابعها : أنَّ مقصودهُ أن يعرفوا أنَّه لم يطلب أخاهم ؛ لأجل الإيذاء والظلم ؛ وإلا لطلب زيادةَ في الثمَّنِ .

وثامنها : أن يعرف أباه أنه أكرمهم ، وطلبهم بعد الإكرام ؛ فلا يثقلُ على أبيه إرسالُ أخيه .

وتاسعها : أراد أن يكون ذلك المالُ معونةً لهم على شدَّة الزمن وكان يخافُ اللصوص من قطع الطَّريق ، فوضع الدَّراهم في رحالهم ؛ حتى تبقى مخفية إلى أن يصلوا إلى أبيهم .

وعاشرها : أنه قابل مبالغتهم في الإساءة مبالغة في الإحسان إليهم .

وقوله : { يَرْجِعُونَ } يحتمل أن يكون متعدٍّياً ، وحذف مفعوله ، أي : يرجعون البضاعة ؛ لأنه عرف دينهم ذلك ، وأن يكون قاصراً بمعنى يرجعون إلينا .