روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ۩} (50)

{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ } وممن صرح بعود الضمير فيه على { ما } [ النحل : 49 ] أبو سليمان الدمشقي ، وقال أبو حيان : إنه الظاهر ، وذهب ابن السائب ومقاتل إلى ما قلنا أي يخافون مالك أمرهم .

{ مّن فَوْقِهِمْ } إما متعلق بيخافون وخوف ربهم كناية عن خوف عذابه أو الكلام على تقدير مضاف هو العذاب على ما هو الظاهر أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من { رَّبُّهُمْ } أي كائناً من فوقهم ، ومعنى كونه سبحانه فوقهم قهره وغلبته لأن الفوقية المكانية مستحيلة بالنسبة إليه تعالى ، ومذهب السلف قد أسلفناه لك وأظنه على طكر منك .

والجملة حال من الضمير في { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [ النحل : 49 ] وجوز أن تكون بياناً لنفي الاستكبار وتقريراً له لأن من خاف الله تعالى لم يستكبر عن عبادته ، واختاره ابن المنير وقال : إنه الوجه ليس إلا لئلا يتقيد الاستكبار وليدل على ثبوت هذه الصفة أيضاً على الإطلاق ، ولا بد أن يقال على تقدير الحالية : أنها حال غير منتقلة وقد جاءت في الفصيح بل في أفصحه على الصحيح ، وفي اختيار عنوان الربوبية تربية للمهابة وإشعار بعلة الحكم .

{ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي ما يؤمرون به من الطاعات والتدبيرات وإيراد الفعل مبيناً للمفهول جرى على سنن الجلالة وإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بالفاعل لاستحالة استناده إلى غيره سبحانه ، واستدل بالآية على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء ، أما دلالتها على التكليف فلمكان الأمر ، وأما على الخوف فهوأظهر من أن يخفى ، وأما على الرجاء فلاستلزام الخوف له على ما قيل ، وقيل : إن اتصافهم بالرجاء لأن من خدم أكرم الأكرمين كان من الرجاء بمكان مكين ، وزعم بعضهم أن خوفهم ليس إلا خوف إجلال ومهابة لا خوف وعيد وعذاب ، ويرده قوله تعالى : { وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 28 ، 29 ] ولا ينافي ذلك عصمتهم ، وقال الإمام : الأصح أن ذلك الخوف خوف الإجلال ، وذكر أنه نقل عن ابن عباس واستدل له بقوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء } [ فاطر : 28 ] وفي القلب منه شيء ، والحق أن الآية لا تصلح دليلاً لكون الملائكة أفضل من البشر . واستدل بها فرقة على ذلك من أربعة أوجه ذكرها الإمام ولم يتعقبها بشيء لأنه ممن يقول بهذه الأفضلية ، وموضع تحقيق ذلك كتب الكلام .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ يخافون ربهم من فوقهم } لأنه القاهر المؤثر فيهم { ويفعلون ما يؤمرون } [ النحل : 50 ] طوعاً وانقياداً ، والله تعالى الهادي سواء السبيل .