تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ۩} (50)

الآية : 50 وقوله تعالى : { يخافون ربهم من فوقهم } قال بعضهم : خوف الملائكة والرسل خوف هيبة الله وجلاله ، لا خوف نزول شيء من نقمته عليهم ، وخوف غيرهم {[10193]} من البشر خوف نزول شيء ، يضر بهم . وكذلك رجاؤهم وطمعهم رجاء نفع ، يصل إليهم ، ورجاء{[10194]} الملائكة والرسل وطمعهم رجاء رضا الله عنهم لا رجاء نفع ، يصل إليهم .

وقال بعضهم : { يخافون ربهم من فوقهم } خوف العقوبة والانتقام ، لأنهم ممتحنون ؛ وكل ممتحن يخاف عذاب الله ونقمته . ألا ترى أنه كيف أوعدهم الوعيد الشديد ، وقال : { ومن يقل منهم إني إله من دونه } ( الأنبياء : 29 ) وقال إبراهيم رضي الله عنه : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } ( إبراهيم : 35 ) خاف عبادة غير الله ؟ ومن خاف ذلك يخف {[10195]} وعيده وعذابه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يخافون ربهم من فوقهم } الفوق والتحت الأسفل ونحوه في المكنة ، والمجلس ليس فيه فضل عز وشرف ومرتبة لما يجوز أن يكون الذي كان فوق هذا في المكان المجلس تحته وأسفل منه ، فلا يزداد لهذا بما صاروا فوقه / 286 – أ / عزا وشرفا ومرتبة ، ولا لهذا بما كان تحته ذل وهوان {[10196]} ، لكنه لا يفهم { من فوقهم } فوق المكان ولا تحته ، لأن من صعد الجبال والمكنة المرتفعة ، لا يوصف بالعلو والعظمة .

وإذا قيل : فلان أمير ( على العراق ) {[10197]} أو على خراسان ، كان في ذلك تعظيم ، لأنه ذكر بالقدرة والسلطان ونفاذ أمره ومشيئته وقدرته وسلطانه فيهم أو اطلاعه على جميع ما يسرون ، ويضمرون ، ويعلنون ، ويظهرون ، وعلمه بجميع {[10198]} أفعالهم . على هذا يجوز أن يتناول الفوق ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ويفعلون ما يؤمرون } وصفهم الله عز وجل بفضل طاعتهم له وخضوعهم إياه ، وهو ما قال : { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } { يسبحون ليلا ونهارا لا يفترون } ( الأنبياء : 19 و 20 ) وهو ما قال : { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } التحريم : 6 ) ومثله .


[10193]:في الأصل وم: غيره.
[10194]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[10195]:في الأصل وم: يخاف.
[10196]:في الأصل وم: وهو ذل هذا.
[10197]:من م، في الأصل: عراق.
[10198]:في الأصل وم: على جميع.