البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ۩} (50)

والظاهر أنّ الضمير في قوله : يخافون ، عائد على المنسوب إليهم السجود .

في ولله يسجد ، وقاله أبو سليمان الدمشقي .

وقال ابن السائب ومقاتل : يخافون من صفة الملائكة خاصة ، فيعود الضمير عليهم .

وقال الكرماني : والملائكة موصوفون بالخوف ، لأنهم قادرون على العصيان وإن كانوا لا يعصون .

والفوقية المكانية مستحيلة بالنسبة إليه تعالى ، فإن علقته بيخافون كان على حذف مضاف أي : يخافون عذابه كائناً من فوقهم ، لأن العذاب إنما ينزل من فوق ، وإن علقته بربهم كان حالاً منه أي : يخافون ربهم عالياً لهم قاهراً لقوله : { وهو القاهر فوق عباده } { وإنا فوقهم قاهرون } وفي نسبة الخوف لمن نسب إليه السجود أو الملائكة خاصة دليل على تكليف الملائكة كسائر المكلفين ، وأنهم بين الخوف والرجاء مدارون على الوعد والوعيد كما قال تعالى : { وهم من خشيته مشفقون } ومن يقل منهم : إنه إله من دونه ، فذلك نجزيه جهنم .

وقيل : الخوف خوف جلال ومهابة .

والجملة من يخافون يجوز أن تكون حالاً من الضمير في من لا يستكبرون ، ويجوز أن تكون بياناً لنفي الاستكبار وتأكيداً له ، لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته .

وقوله : ويفعلون ما يؤمرون ، أما المؤمنون فبحسب الشرع والطاعة ، وأما غيرهم من الحيوان فبالتسخير والقدر الذي يسوقهم إلى ما نفذ من أمر الله تعالى .