فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ۩} (50)

{ يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ } هذه الجملة في محل نصب على الحال ، أي : حال كونهم يخافون ربهم من فوقهم . أو جملة مستأنفة لبيان نفي استكبارهم ، ومن آثار الخوف عدم الاستكبار ، و{ من فوقهم } متعلق ب{ يخافون } على حذف مضاف ، أي : يخافون عذاب ربهم من فوقهم ، أو يكون حالاً من الربّ ، أي : يخافون ربهم حال كونه من فوقهم . وقيل : معنى { يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ } يخافون الملائكة ، فيكون على حذف المضاف ، أي يخافون ملائكة ربهم كائنين من فوقهم . وهو تكلف لا حاجة إليه ، وإنما اقتضى مثل هذه التأويلات البعيدة المحاماة على مذاهب قد رسخت في الأذهان ، وتقرّرت في القلوب . قيل : وهذه المخافة هي مخافة الإجلال ، واختاره الزجاج فقال : { يخافون رَبَّهُمْ } خوف مجلين . ويدلّ على صحة هذا المعنى قوله : { وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ } [ الأنعام : 18 ] . وقوله إخباراً عن فرعون { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون } [ الأعراف : 127 ] . { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي : ما يؤمرون به من طاعة الله يعني : الملائكة ، أو جميع من تقدّم ذكره ، وحمل هذه الجمل على الملائكة أولى ؛ لأن في مخلوقات الله من يستكبر عن عبادته ، ولا يخافه ولا يفعل ما يؤمر به ، كالكفار والعصاة الذين لا يتصفون بهذه الصفات وإبليس وجنوده .

/خ50