جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ۩} (50)

{ يَخَافُونَ رَبَّهُم } حال{[2712]} أو بيان أو تأكيد لنفي الاستكبار ، { مِّن {[2713]}فَوْقِهِمْ{[2714]} } أي : حال كون الرب قاهرا عاليا{[2715]} لهم {[2716]} ، وهو القاهر فوق عباده ، أو معناه يخافون من فوقهم ، أي : أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم ، وقيل : أي يخافون والحال أن الملائكة من فوق ما في الأرض من الدواب فمن دونهم أحق بالخوف ، { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .


[2712]:فإن من خاف أحدا لا يستكبر عليه /12.
[2713]:قوله تعالى: "يخافون ربهم من فوقهم" وكم في القرآن الكريم من أمثالها ونظائرها مما يدل على فوقية الله تعالى على خلقه ومبائنته من جميع مخلوقاته قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في النقض على المريسى: وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله فوق عرشه فوق سماواته فقال الإمام أبو سليمان الخطابي في كتابه شعار الإيمان إن إنكار الفوقية شيء سرقه المتأخرون من الفلاسفة وفي ذلك رد لكتاب الله وسنة رسوله، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: العرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، و قال الإمام أبو حنيفة: من أنكر الله عز وجل في السماء فقد كفر وقال الإمام مالك: الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان، وسئل الإمام أحمد: ما تقول في من قال إن الله ليس على العرش؟ قال: كلامهم كله يدور على الكفر، وأيضا قال: ما فطر العباد إلا على أن ربهم في السماء وقال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة: إن الله تبارك وتعالى على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف أحاط بكل شيء علما، ليس كمثله شيء والسميع والبصير انتهى. وقال الإمام البخاري في كتاب خلق الأفعال: قال ابن المبارك: لا نقول كما قالت الجهمية أنه في الأرض هاهنا بل على العرش استوى، وقيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: نعرفه بأنه فو ق سماواته على عرشه بائن خلقه، وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: من لم يقر بأن الله استوى على عرشه فوق سبع سماواته بائن من خلقه فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقى على بعض المزابل لئلا يتأذي بريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة، و قال الحافظ الذهبي: ما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار حجازا و عراقا وشاما ويمنا يقولون: إن الله عل عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف وأحاط بكل شيء علما وهكذا يقولون في جميع الصفات القدسية انتهى. وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه "مختلف الحديث": ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرتهم وما ركبت عليه ذواتهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله عز و جل هو العلي الأعلى وأن الأيدي ترفع بالدعاء إليه والأمم كلها أعجميها وعربيها تقول: إن الله في السماء ما تركت على فطرتها انتهى. وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه "اختلاف المضلين" ومقالات الإسلاميين: فلولا أن الله تعالى على عرشه ما قال في حق ملائكته: "يخافون ربهم من فوقهم" ولما فطر الخلق عند سؤاله على رفع الأيدي إلى السماء انتهى /12.
[2714]:الذي فو قهم على العرش /12.
[2715]:لما بين أن كل ما سوى الله سوء كان من عالم الأرواح أو عالم الأجسام فهو منقاد خاضع لجلال الله وكبريائه أتبعه بالنهي عن الشرك وبالأمر بأن كل ما سواه فهو ملكه وملكه وأنه غني عن الكل فقال: "لا تتخذوا إلهين اثنين" الآية /12 كبير.
[2716]:في النسخة (ن): عاليا عليهم.