روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (39)

{ وَأَنذِرْهُمْ } أي الظالمين على ما هو الظاهر . وقال أبو حيان : الضمير لجميع الناس أي خوفهم { يَوْمَ الحسرة } يوم يتحسر الظالمون على ما فرطوا في جنب الله تعالى . وقيل : الناس قاطبة ، وتحسر المحسنين على قلة إحسانهم { إِذْ قُضِىَ الأمر } أي فرغ من الحساب وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وذبح الموت ونودي كل من الفريقين بالخلود .

وعن السدي . وابن جريج الاقتصار على ذبح الموت ، وكان ذلك لما روى الشيخان . والترمذي

عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رأوه ثم ينادي مناد يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم : هذا الموت وكلهم قد رأوه فيذبح بين الجنة والنار ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ وأنذرهم » الآية .

وفي رواية عن ابن مسعود أن يوم الحسرة حين يرى الكفار مقاعدهم من الجنة لو كانوا مؤمنين ، وقيل : حين يقال لهم وهم في النار { اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] وقيل : حين يقال { وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون } [ يس : 59 ] .

وقال الضحاك : ذلك إذا برزت جهنم ورمت بالشرر ، وقيل : المراد بذلك يوم القيامة مطلقاً ، وروي ذلك عن ابن زيد وفيه حسرات في مواطن عديدة ، ومن هنا قيل : المراد بالحسرة جنسها فيشمل ذلك حسرتهم فيما ذكر وحسرتهم عند أخذ الكتب بالشمائل وغير ذلك والمراد بقضاء الأمر الفراغ من أمر الدنيا بالكلية ويعتبر وقت ذلك ممتداً ، وقيل : المراد بيوم الحسرة يوم القيامة كما روي عن ابن زيد إلا أن المراد بقضاء الأمر الفراغ مما يوجب الحسرة ، وجوز ابن عطية أن يراد بيوم الحسرة ما يعم يوم الموت .

وأنت تعلم أن ظاهر الحديث السابق وكذا غيره كما لا يخفى على المتتبع قاض بأن يوم الحسرة يوم يذبح الموت وينادي بالخلود . ولعل التخصيص لما أن الحسرة يومئذٍ أعظم الحسرات لأنه هناك تنقطع الآمال وينسد باب الخلاص من الأهوال . ومن غريب ما قيل : إن المراد بقضاء الأمر سد باب التوبة حين تطلع الشمس من مغربها وليس بشيء ، و { إِذْ } على سائر الأقوال بدل من { يَوْمٍ } أو متعلق بالحسرة والمصدر المعرف يعمل بالمفعول الصريح عند بعضهم فكيف بالظرف ، وقوله تعالى : { وَهُمْ في غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } قال الزمخشري : متعلق بقوله تعالى شأنه : { فِى ضلال مُّبِينٍ } عن الحسن ، ووجه ذلك بأن الجملتين في موضع الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور أي مستقرون في ذلك وهم في تينك الحالتين ، واستظهر في الكشف العطف على قوله تعالى : { الظالمون في ضلال مُّبِينٍ } [ مريم : 38 ] أي هم في ضلال وهم في غفلة ؛ وعلى الوجهين تكون جملة { أَنذَرَهُمْ } معترضة والواو اعتراضية ، ووجه الاعتراض أن الإنذار مؤكد ما هم فيه من الغفلة والضلال ، وجوز أن يكون ذلك متعلقاً بأنذرهم على أنه حال من المفعول أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين . وتعقب بأنه لا يلائم قوله تعالى : { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها } [ النازعات : 45 ] وقال في «الكشف » : أنه غير وارد لأن ذلك بالنسبة إلى النفع وهذا بالنسبة إلى تنبيه الغافل لبيان أن النفع في الآخرة وهذه وظيفة الأنبياء عليهم السلام عن آخرهم ، ثم لو سلم لا مناقضة كما في قوله تعالى : { وَذَكّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين } [ الذاريات : 55 ] كيف وقد تكرر هذا المعنى في القرآن إلى قوله تعالى : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ فَهُمْ غافلون } [ يس : 6 ] وأما إن قوله سبحانه : { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } نفي مؤكد يشتمل على الماضية والآتية فلا يسلم لو جعل حالاً ولو سلم فقد علم جوابه مما سبق وما على الرسول إلا البلاغ .

نعم لا نمنع أن الوجه الأول أرجح وأشد طباقاً للمقام ، وحاصل المعنى على الأخير أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها للإنذار .