روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (250)

{ وَلَمَّا بَرَزُواْ } أي ظهر طالوت ومن معه وصاروا في براز من الأرض وهو ما انكشف منها واستوى { لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } أي لمحاربتهم وقتالهم { قَالُواْ } جميعاً بعد أن قويت قلوب الضعفاء متضرعين إلى الله تعالى متبرئين من الحول والقوة . { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي صب ذلك علينا ووفقنا له ، والمراد به حبس النفس للقتال { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا } أي هب لنا كمال القوة والرسوخ عند المقارعة بحيث لا تتزلزل ، وليس المراد بتثبيت الأقدام مجرد تقررها في حيز واحد إذ ليس في ذلك كثير جدوى { وانصرنا عَلَى القوم الكافرين } أي أعِنّا عليهم بقهرهم وهزمهم ، ووضع ( الكافرين ) موضع الضمير العائد إلى جالوت وجنوده للإشعار بعلة النصر عليهم ، وفي هذا الدعاء من اللطافة وحسن الأسلوب والنكات ما لا يخفى ، أما أولاً : فلأن فيه التوسل بوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال ، وأما ثانياً : فلأن فيه الإفراغ ، وهو يؤذن بالكثرة ، وفيه جعل الصبر بمنزلة الماء المنصب عليهم لثلج صدورهم وإغنائهم عن الماء الذي منعوا عنه ، وأما ثالثاً : فلأن فيه التعبير بعلى المشعر بجعل ذلك كالظرف وجعلهم كالمظروفين ، وأما رابعاً : فلأن فيه تنكير صبراً المفصح عن التفخيم ، وأما خامساً : فلأن في الطلب الثاني وهو تثبيت الأقدام ما يرشح جعل الصبر بمنزلة الماء في الطلب الأول إذ مصاب الماء مزالق فيحتاج فيها إلى التثبت ، وأما سادساً : فلأن فيه حسن الترتيب حيث طلبوا أولاً : إفراغ الصبر على قلوبهم عند اللقاء وثانياً : ثبات القدم والقوة على مقاومة العدوّ حيث أن الصبر قد يحصل لمن لا مقاومة له ، وثالثاً : العمدة والمقصود من المحاربة وهو النصرة على الخصم حيث إن الشجاعة بدون النصرة طريق عتبته عن النفع خارجة ، وقيل : إنما طلبوا أولاً : إفراغ الصبر لأنه ملاك الأمر ، وثانياً : التثبيت لأنه متفرع عليه ، وثالثاً : النصر لأنه الغاية القصوى ، واعترض/ هذا بأنه يقتضي حينئذٍ التعبير بالفاء لأنها التي تفيد الترتيب ، وأجيب بأن الواو أبلغ لأنه عول في الترتيب على الذهن الذي هو أعدل شاهد كما ذكر السكاكي .

( ومن باب الإشارة ) :فلما برزوا لحرب جالوت وجنوده تبرءوا من الحول والقوة وقالوا : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } واستقامة ، { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا } في ميادين الجهاد حتى لا نرجع القهقرى من بعد ؛ { وانصرنا } [ البقرة : 0 25 ] على أعدائنا الذين ستروا الحق ، وهم النفس الأمارة وصفاتها .