إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (250)

{ وَلَمَّا بَرَزُواْ } أي ظهر طالوتُ ومن معه من المؤمنين وصاروا إلى براز من الأرض في موطن الحرب { لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } وشاهدوا ما هم عليه من العَدد والعُدد وأيقنوا أنهم غيرُ مطيقين لهم عادة { قَالُواْ } أي جميعاً عند تقوى قلوب الفريقُ الأولُ منهم بقول الفريق الثاني متضرعين إلى الله تعالى مستعينين به { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } على مقاساة شدائِد الحربِ واقتحامِ مواردِه الصعبةِ الضيقة وفي التوسل بوصف الربوبية المُنبئ عن التبليغ إلى الكمال وإيثارِ الإفراغِ المعرب عن الكثرة وتنكيرِ الصبر المفصح عن التفخيم من الجزالة ما لا يخفى { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا } في مداحض القتالِ ومزالِّ النزال وثباتُ القدم عبارةٌ عن كمال القوةِ والرسوخِ عند المقارعة وعدمِ التزلزل وقت المقاومة لا مجرد التقرّر في حيز واحد { وانصرنا عَلَى القوم الكافرين } بقهرهم وهزمِهم ، ووضعُ الكافرين في موضع الضمير العائد إلى جالوتَ وجنودِه للإشعار بعِلة النصرِ عليهم ، ولقد راعَوْا في الدعاء ترتيباً بديعاً حيث قدموا سؤالَ إفراغِ الصبر الذي هو مِلاكُ الأمر ثم سؤالَ تثبيتِ القدم المتفرغِ عليه ثم سؤالَ النصرِ الذي هو الغاية القصوى .