روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

{ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } خطاب لموسى عليه السلام ، وزعم بعضهم أنه لنبينا صلى الله عليه وسلم لفظاً ولأمته معنى وهو في غاية البعد { عَنْهَا } أي الساعة ، والمراد عن ذكرها ومراقبتها ، وقيل : عن الإيمان بإتيانها ورجح الأول بأنه الأليق بشأن موسى عليه السلام وإن كان النهي بطريق التهييج والإلهاب ورجوع ضمير { عَنْهَا } إلى { الساعة } [ طه : 15 ] هو الظاهر وكذا رجوع ضمير { بِهَا } في قوله تعالى : { مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } وقيل : الضميران راجعان إلى كلمة { لا إله إِلا أَنَاْ } [ طه : 14 ] وقيل : الأول راجع إلى العبادة والثاني راجع إلى الساعة ، وقيل : هما راجعان إلى الخصال المذكورة ، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ولأن في المؤخر نوع طول ربما يخل تقديمه بجزالة النظم الكريم ، والنهي وإن كان بحسب الظاهر نهياً للكافر عن صد موسى عليه السلام عن الساعة لكنه في الحقيقة نهي له عليه السلام عن الانصداد عنها على أبلغ وجه وآكده فإن النهي عن أسباب الشيء ومباديه المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهاني وإبطال للسببية عن أصلها كما في قوله تعالى : { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } [ المائدة : 2 ] الخ فإن صد الكافر حيث كان سبباً لانصداده عليه السلام كان النهي عنه نهياً بأصله وموجبه وإبطالاً له بالكلية ، ويجوز أن يكون نهياً عن السبب على أن يراد نهيه عليه السلام عن إظهار لين الجانب للكفرة فإن ذلك سبب لصدهم إياه عليه السلام كما في قوله : لا أرينك ههنا فإن المراد به نهي المخاطب عن الحضور لديه الموجب لرؤيته فكأنه قيل : كن شديد الشكيمة صلب المعجم حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالساعة وينكر البعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه ، وفيه حث على الصلابة في الدين وعدم اللين المطمع لمن كفر { واتبع هَوَاهُ } أي ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية فصده عن الإيمان { فتردى } أي فتهلك فإن الإغفال عن الساعة وعن تحصيل ما ينجي عن أحوالها مستتبع للهلاك لا محالة .

وذكر العلامة الطيبي أنه يمكن أن يحمل { مَّن لاَّ يُؤْمِنُ } على المعرض عن عبادة الله تعالى المتهالك في الدنيا المنغمس في لذاتها وشهواتها بدليل { واتبع } الخ ويحمل نهي الصد على نهي النظر إلى متمتعاته من زهرة الحياة الدنيا ليكون على وزان قوله تعالى : { وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني والقرءان العظيم لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا } [ الحجر : 87 ، 88 ] الخ ، ويحمل متابعة الهوى على الميل إلى الإخلاد إلى الأرض كقوله تعالى : { ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض واتبع هَوَاهُ } [ الأعراف : 176 ] يعني تفرغ لعبادتي ولا تلتفت إلى ما الكفرة فيه فإنه مهلك فإن ما أوليناك واخترناه لك هو المقصد الأسنى وفي هذا حث عظيم على الاشتغال بالعبادة وزجر بليغ عن الركون إلى الدنيا ونعيمها ، ولا يخلو عن حسن وإن كان خلاف الظاهر . و { تردى } يحتمل أن يكون منصوباً في جواب النهي وأن يكون مرفوعاً والجملة خبر مبتدأ محذوف أي فأنت تردى بسبب ذلك . وقرأ يحيى { فتردى } بكسر التاء .

/خ16