روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَفۡقَهُواْ قَوۡلِي} (28)

وجعل قوله تعالى :{ يَفْقَهُواْ قَوْلِي } جواب الطلب وغرضا من الدعاء فبحلها في الجملة يتحقق إيتاء سؤاله عليه السلام . واعترض على ذلك بأن قوله تعالى : { هُوَ أَفْصَحُ مِنّى } [ القصص : 34 ] قال عليه السلام قبل استدعاء الحل على أنه شاهد على عدم بقاء اللكنة لأن فيه دلالة على أن موسى عليه السلام كان فصيحاً غايته إن فصاحة أخيه أكثر وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله { لساناً } [ القصص : 34 ] . ويشهد لهذه المنافاة ما قاله ابن هلال في كتاب الصناعتين : الفصاحة تمام آلة البيان ولذا يقال : لله تعالى فصيح وإن قيل لكلامه سبحانه فصيح ولذلك لا يسمى الالثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتهما عن إقامة الحروف وبأن قوله تعالى : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] معناه لا يأتي ببيان وحجة ، وقد قال ذلك اللعين تمويهاً ليصرف الوجوه عنه عليه السلام ، ولو كان المراد نفي البيان وافهام الكلام لاعتقال اللسان لدل على عدم زوال العقدة أصلاً ولم يقل به أحد ، وبانا لا نسلم صحة الخبر ، وبأن تنكير { عُقْدَةَ } [ طه : 27 ] يجوز أن يكون لقتلها في نفسها . ومن يجوز تعلقها بِ { احلل } [ طه : 27 ] كما ذهب إليه الحوفي واستظهره أبو حيان فإن المحلول إذا كان متعلقاً بشيء ومتصلاً به فكما يتعلق الحل به يتعلق بذلك الشيء أيضاً باعتبار إزالته عنه أو ابتداء حصوله منه ، وعلى تقدير تعلقها بمحذوف وقع صفة لعقدة لا نسلم وجوب تقدير مضاف وجعل من تبعيضية ، ولا مانع من أن تكون بمعنى في ولا تقدير أي عقدة في لساني بل قيل : ولا مانع أيضاً من جعلها ابتدائية مع عدم التقدير وأي فساد في قولنا : عقدة ناشئة من لساني . والحاصل أن ما استدل به على بقاء عقدة ما في لسانه عليه السلام وعدم زوالها بالكلية غير تام لكن قال بعضهم : إن الظواهر تقتضي ذلك وهي تكفي في مثل هذه المطالب وثقل ما في اللسان لا يخفف قدر الإنسان . وقد ذكر أن في لسان المهدي المنتظر رضي الله عنه حبسة وربما يتعذر عليه السلام حتى يضرب بيده اليمني فخذ رجله اليسرى وقد بلغك ما ورد في فضله . وقال بعضهم : لا تقاوم فصاحة الذات اعراب الكلمات . وأنشد قول القائل :

سر الفصاحة كامن في المعدن *** لخصائص الأرواح لا للالسن

وقول الآخر :

لسان فصيح معرب في كلامه *** فياليته في موقف الحشر يسلم

وما ينفع الأعراب ان لم يكن تقى *** وما ضر ذا تقوى لسان معجم

نعم ما يخل بأمر التبليغ من رتة تؤدي إلى عدم فهم الوحي معها ونفرة السامع عن سماع ذلك مما يجل عنه الأنبياء عليهم السلام فهم كلهم فصحاء اللسان لا يفوت سامعهم شيء من كلامهم ولا ينفر عن سماعة وان تفاوتوا في مرات تلك الفصاحة وكأنه عليه السلام إنما لم يطلب أعلا مراتب فصاحة اللسان وطلاقته عند الجبائي ومن وافقه لأنه لم ير في ذلك كثير فضل ، وغاية ما قيل فيه إنه زينة من زينة الدنيا وبهاء من بهائها والفضل الكثير في فصاحة البيان بالمعنى المشهور في عرف أهل المعاني والبيان وما ورد مما يدل على ذم ذلك فليس على إطلاقه كما بين في شروح الأحاديث .

ثم إن المشهور تفسير اللسان بالآلة الجارحة نفسها وفسره بعضهم بالقوة النطقية القائمة بالجارحة . والفقه العلم بالشيء والفهم كما في القاموس وغيره ، وقال الراغب : هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم .

والظاهر هنا الفهم أي احلل عقدة من لساني يفهموا قولي

/خ27