روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱضۡمُمۡ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخۡرَىٰ} (22)

{ واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ } أمر له عليه السلام بعد ما أخذ الحية وانقلبت عصاكما كانت ؛ والضم الجمع ، والجناح كما في القاموس اليد والعضد والابط والجانب ونفس الشيء ويجمع على أجنحة وأجنح ، وفي البحر الجناح حقيقة في جناح الطائر والملك ثم توسع فيه فاطلق على اليد والعضد وجنب الرجل .

وقيل : لمجنبتي العسكر جناحان على سبيل الاستعارة وسمي جناح الطائر بذلك لأنه يجنحه أي يميله عند الطيران ، والمراد ادخل يدك اليمنى من طوق مدرعتك واجعلها تحت إبط اليسرى أو تحت عضدها عند الابط أو تحتها عنده فلا منافاة بين ما هنا ، وقوله تعالى : { ادخل * يَدَكَ فِى جَيْبِكَ } [ النمل : 12 ] .

{ واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء } جعله بعضهم مجزوماً في جواب الأمر المذكور على اعتبار معنى الادخال فيه ، وقال أبو حيان : وغيره إنه مجزوم في جواب أمر مقدر وأصل الكلام اضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف ما حذف من الأول . والثاني وأبقى ما يدل عليه فهو إيجاز يسمى بالاحتباك ، ونصب { بَيْضَاء } على الحال من الضمير في { تُخْرِجُ } والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من الضمير في { بَيْضَاء } أو صفة لبيضاء كما قال الحوفي أو متعلق به كما قال أبو حيان كأنه قيل : أبيضت من غبر سوء أو متعلق بتخرج كما جوزه غير واحد . والسوء الرداءة والقبح في كل شيء ، وكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة لما أن الطباع تنفر عنه والأسماع تمجه . وهو أبغض شيء عند العرب ولهذا كنوا عن جذيمة صاحب الزباء وكان أبرص بالأبرش والوضاح . وفائدة التعرض لنفي ذلك الاحتراس فإنه لو اقتصر على قوله تعالى : { تَخْرُجْ بَيْضَاء } لأوهم ولو على بعد أن ذلك من برص ، ويجوز أن يكون الاحتراس عن توهم عيب الخروج عن الخلقة الأصلية على أن المعنى تخرج بيضاء من غير عيب وقبح في ذلك الخروج أو عن توهم عيب مطلقاً . يروي أنها خرجت بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر وكان عليه السلام آدم اللون { ءايَةً أخرى } أي معجزة أخرى غير العصا . وانتصابها على الحالية من ضمير { تُخْرِجُ } والصحيح جواز تعدد الحال لذي حال واحداً ومن ضمير { بَيْضَاء } أو من الضمير في الجار والمجرور على ما قيل أو على البدلية من { بَيْضَاء } ويرجع إلى الحالية من ضمير { تُخْرِجُ } ، ويجوز أن تكون منصوبة بفعل مضمر أي خذ آية وحذف لدلالة الكلام . وظاهر كلام الزمخشري جواز تقدير دونك عاملاً وهو مبني على ما هو ظاهر كلام سيبويه من جواز عمل اسم الفعل محذوفاً ومنعه أبو حيان لأنه نائب عن الفعل ولا يحذف النائب والمنوب عنه ، ونقض بيا الندائية فإنها تحذف مع أنها نائبة عن أدعوا ، وقيل : إنها مفعول ثان لفعل محذوف مع مفعوله الأولى أي جعلناها أو آتيناك أية أخرى ، وجعل هذا القائل قوله تعالى :

من باب الإشارة : { واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء } [ طه : 22 ] أراد سبحانه أن يريه أية نفسية بعد أن أراه عليه السلام آية آفاقية كما قال سبحانه : { سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِى الآفاق وَفِى أَنفُسِهِمْ } [ فصلت : 53 ] وهذا من نهاية عنايته جل جلاله .