روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيٓ أَنتُمۡ لَهَا عَٰكِفُونَ} (52)

{ إِذْ قَالَ لأبيه وَقَوْمِهِ } ظرف ل { آتينا } [ الأنبياء : 51 ] على أنه وقت متسع وقع فيه الإيتاء وما يترتب عليه من أقواله وأفعاله ، وجوز أن يكون ظرفاً لرشد أو لعالمين ، وأن يكون بدلاً من موضع { مِن قَبْلُ } [ الأنبياء : 51 ] وأن ينتصب بإضمار أعني أو اذكر ، وبدأ بذكر الأب لأنه كان الأهم عنده عليه السلام في النصيحة والإنقاذ من الضلال .

والظاهر أنه عليه السلام قال له ولقومه مجتمعين : { مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عاكفون } أراد عليه السلام ما هذه الأصنام إلا إنه عبر عنها بالتماثيل تحقيراً لشأنها فإن التمثال الصورة المصنوعة مشبهة بمخلوق من مخلوقات الله تعالى من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به ، وكانت على ما قيل صور الرجال يعتقدون فيهم وقد انقرضوا ، وقيل كانت صور الكواكب صنعوها حسبما تخيلوا ، وفي الإشارة إليها بما يشار به القريب إشارة إلى التحقير أيضاً ، والسؤال عنها بما التي يطلب بها بيان الحقيقة أو شرح الاسم من باب تجاهل العارف كأنه لا يعرف أنها ماذا وإلا فهو عليه السلام محيط بأن حقيقتها حجر أو نحوه ، والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له ، وقيل اللزوم والاستمرار على الشيء لغرض من الأغراض وهو على التفسيرين دون العبادة ففي اختياره عليها إيماء إلى تفظيع شأن العبادة غاية التفظيع ، واللام في { لَهَا } للبيان فهي متعلقة بمحذوف كما في قوله تعالى : { لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ يوسف : 43 ] أو للتعليل فهي متعلقة بعاكفون وليست للتعدية لأن عكف إنما يتعدى بعلى كما في قوله تعالى : { يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ } [ الأعراف : 138 ] وقد نزل الوصف هنا منزلة اللازم أي التي أنتم لها فاعلون العكوف .

واستظهر أبو حيان كونها للتعليل وصلة { عاكفون } محذوفة أي عاكفون على عبادتها ، ويجوز أن تكون اللام بمعنى على كما قيل ذلك في قوله تعالى : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الاسراء : 7 ] وتتعلق حينئذ بعاكفون على أنها للتعدية .

وجوز أن يؤول العكوف بالعبادة فاللام حينئذ كما قيل دعامة لا معدية لتعديه بنفسه ورجح هذا الوجه بما بعد ، وقيل لا يبعد أن تكون اللام للاختصاص والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبراً و { عاكفون } خبر بعد خبر ، وأنت تعلم أن نفي بعده مكابرة . ومن الناس من لم يرتض تأويل العكوف بالعبادة لما أخرج ابن أبي شيبة . وعبد بن حميد . وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي . وابن المنذر . وابن أبي حاتم . والبيهقي في الشعب عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفى خير له من أن يمسها ، وفيه نظر لا يخفى ، نعم لا يبعد أن يكون الأولى إبقاء العكوف على ظاهره ، ومع ذلك المقصود بالذات الاستفسار عن سبب العبادة والتوبيخ عليها بألطف أسلوب .