{ إِذْ قَالَ لأبيه وَقَوْمِهِ } ظرف ل { آتينا } [ الأنبياء : 51 ] على أنه وقت متسع وقع فيه الإيتاء وما يترتب عليه من أقواله وأفعاله ، وجوز أن يكون ظرفاً لرشد أو لعالمين ، وأن يكون بدلاً من موضع { مِن قَبْلُ } [ الأنبياء : 51 ] وأن ينتصب بإضمار أعني أو اذكر ، وبدأ بذكر الأب لأنه كان الأهم عنده عليه السلام في النصيحة والإنقاذ من الضلال .
والظاهر أنه عليه السلام قال له ولقومه مجتمعين : { مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عاكفون } أراد عليه السلام ما هذه الأصنام إلا إنه عبر عنها بالتماثيل تحقيراً لشأنها فإن التمثال الصورة المصنوعة مشبهة بمخلوق من مخلوقات الله تعالى من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به ، وكانت على ما قيل صور الرجال يعتقدون فيهم وقد انقرضوا ، وقيل كانت صور الكواكب صنعوها حسبما تخيلوا ، وفي الإشارة إليها بما يشار به القريب إشارة إلى التحقير أيضاً ، والسؤال عنها بما التي يطلب بها بيان الحقيقة أو شرح الاسم من باب تجاهل العارف كأنه لا يعرف أنها ماذا وإلا فهو عليه السلام محيط بأن حقيقتها حجر أو نحوه ، والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له ، وقيل اللزوم والاستمرار على الشيء لغرض من الأغراض وهو على التفسيرين دون العبادة ففي اختياره عليها إيماء إلى تفظيع شأن العبادة غاية التفظيع ، واللام في { لَهَا } للبيان فهي متعلقة بمحذوف كما في قوله تعالى : { لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ يوسف : 43 ] أو للتعليل فهي متعلقة بعاكفون وليست للتعدية لأن عكف إنما يتعدى بعلى كما في قوله تعالى : { يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ } [ الأعراف : 138 ] وقد نزل الوصف هنا منزلة اللازم أي التي أنتم لها فاعلون العكوف .
واستظهر أبو حيان كونها للتعليل وصلة { عاكفون } محذوفة أي عاكفون على عبادتها ، ويجوز أن تكون اللام بمعنى على كما قيل ذلك في قوله تعالى : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الاسراء : 7 ] وتتعلق حينئذ بعاكفون على أنها للتعدية .
وجوز أن يؤول العكوف بالعبادة فاللام حينئذ كما قيل دعامة لا معدية لتعديه بنفسه ورجح هذا الوجه بما بعد ، وقيل لا يبعد أن تكون اللام للاختصاص والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبراً و { عاكفون } خبر بعد خبر ، وأنت تعلم أن نفي بعده مكابرة . ومن الناس من لم يرتض تأويل العكوف بالعبادة لما أخرج ابن أبي شيبة . وعبد بن حميد . وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي . وابن المنذر . وابن أبي حاتم . والبيهقي في الشعب عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفى خير له من أن يمسها ، وفيه نظر لا يخفى ، نعم لا يبعد أن يكون الأولى إبقاء العكوف على ظاهره ، ومع ذلك المقصود بالذات الاستفسار عن سبب العبادة والتوبيخ عليها بألطف أسلوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.