البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيٓ أَنتُمۡ لَهَا عَٰكِفُونَ} (52)

التمثال : الصورة المصنوعة مشبهة بمخلوق من مخلوقات الله تعالى ، مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به .

قال الشاعر :

ويا رب يوم قد لهوت وليلة *** بآنسة كأنها خط تمثال

و { إذ } معمولة لآتينا أو { رشدة } و { عالمين } وبمحذوف أي اذكر من أوقات رشده هذا الوقت ، وبدأ أولاً بذكر أبيه لأنه الأهم عنده في النصيحة وإنقاذه من الضلال ثم عطف عليه { قومه } كقوله { وأنذر عشيرتك الأقربين } وفي قوله { ما هذه التماثيل } تحقير لها وتصغير لشأنها وتجاهل بها مع علمه بها وبتعظيمهم لها .

وفي خطابه لهم بقوله { أنتم } استهانة بهم وتوقيف على سوء صنيعهم ، وعكف يتعدى بعلى كقوله { يعكفون على أصنام لهم } فقيل { لها } هنا بمعنى عليها كما قيل في قوله { وإن أسأتم فلها } والظاهر أن اللام في { لها } لام التعليل أي لتعظيمها ، وصلة { عاكفون } محذوفة أي على عبادتها .

وقيل : ضمن { عاكفون } معنى عابدين فعداه باللام .

وقال الزمخشري : لم ينو للعاكفين محذوفاً وأجراه مجرى ما لا يتعدى كقوله فاعلون العكوف لها أو واقفون لها انتهى .