روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

{ وَإِذَا رءاك الذين كَفَرُواْ } أي المشركون { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } أي ما يتخذونك إلا مهزوأ به على معنى قصر معاملتهم معه صلى الله عليه وسلم على اتخاذهم إياه عاملهم الله تعالى بعدله هزواً لا على معنى قصر اتخاذهم على كونه هزواً كما هو المتبادر كأنه قيل ما يفعلون بك إلا اتخاذك هزواً .

والظاهر أن جملة { إِن يَتَّخِذُونَكَ } الخ جواب { إِذَا } ولم يحتج إلى الفاء كما لم يحتج جوابها المقترن بما إليها في قوله تعالى : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بينات مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ } [ الجاثية : 25 ] وهذا بخلاف جواب غير إذا من أدوات الشرط المقترن بما فإنه يلزم فيه الاقتران بالفاء نحو إن تزرنا فما نسيء إليك ، وقيل الجواب محذوف وهو يقولون المحكى به قوله تعالى : { أهذا الذي يَذْكُرُ ءالِهَتَكُمْ } وقوله سبحانه { إِن يَتَّخِذُونَكَ } الخ اعتراض وليس بذاك ، نعم لا بد من تقدير القول فيما ذكر وهو إما معطوف على جملة { إِن يَتَّخِذُونَكَ } أو حال أي ويقولون أو قائلين والاستفهام للإنكار والتعجب ويفيدان أن المراد يذكر آلهتكم بسوء ؛ وقد يكتفي بدلالة الحال عليه كما في قوله تعالى : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } [ الأنبياء : 60 ] فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء وقد تحاشوا عن التصريح أدباً مع آلهتهم . وفي «مجمع البيان » تقول العرب ذكرت فلاناً أي عبته ، وعليه قوله عنترة

: لا تذكري مهري وما أطعمته *** فيكون جلدك مثل جلد الأجرب

/ انتهى ؛ والإشارة مثلها في قوله

: هذا أبو الصقر فرداً في محاسنه *** من نسل شيبان بين الضال والسلم

فيكون في ذلك نوع بيان للاتخاذ هزواً ، وقوله تعالى : { وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كافرون } في حيز النصب على الحالية من ضمير القول المقدر ؛ والمعنى أنهم يعيبون عليه عليه الصلاة والسلام أن يذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء والحال أنهم بالقرآن الذي أنزل رحمة كافرون فهم أحقاء بالعيب والإنكار ، فالضمير الأول مبتدأ خبره { كافرون } وبه يتعلق { بِذِكْرِ } وقدم رعاية للفاصلة وإضافته لامية ، والضمير الثاني تأكيد لفظي للأول ، والفصل بين العامل والمعمول بالمؤكد وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول جائز ، ويجوز أن يراد { بِذِكْرِ الرحمن } توحيده على أن ذكر مصدر مضاف إلى المفعول أي وهم كافرون بتوحيد الرحمن المنعم عليهم بما يستدعي توحيده والإيمان به سبحانه ، وأن يراد به عظته تعالى وإرشاده الخلق بإرسال الرسل وإنزال الكتب على أنه مصدر مضاف إلى الفاعل ، وقيل المراد بذكر الرحمن ذكره صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ وإطلاقه عليه تعالى ، والمراد بكفرهم به قولهم ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمانة فهو مصدر مضاف إلى المفعول لا غير وليس بشيء كما لا يخفى .

وجعل الزمخشري الجملة حالاً من ضمير { يَتَّخِذُونَكَ } أي يتخذونك هزواً وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بذكر الرحمن . وسبب نزول الآية على ما أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه صلى الله عليه وسلم مر على أبي سفيان . وأبي جهل وهما يتحدثان فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبي بني عبد مناف فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكر أن يكون لبني عبد مناف نبي فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوفه وقال : ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك الوليد بن المغيرة وقال لأبي سفيان : أما أنك لم تقل ما قلت إلا حمية ، وأنا أرى أن القلب لا يثلج لكون هذا سبباً للنزول والله تعالى أعلم .