روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (111)

{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } استثناء متصل لأن الأذى بمعنى الضرر اليسير كما يشهد به مواقع الاستعمال فكأنه قيل : لن يضروكم ضرراً مّا إلا ضرراً يسيراً ، وقيل : إنه منقطع لأن الأذى ليس بضرر وفيه نظر . والآية كما قال مقاتل : نزلت لما عمد رؤساء اليهود ، مثل كعب وأبي رافع وأبي ياسر وكنانة وابن صوريا إلى مؤمنيهم كعبد الله بن سلام وأصحابه ، وآذوهم لإسلامهم وكان إيذاءاً قولياً على ما يفهمه كلام قتادة وغيره ، وكان ذلك الافتراء على الله تعالى كما قاله الحسن .

{ وَإِن يقاتلوكم يُوَلُّوكُمُ الادبار } أي ينهزموا من غير أن يظفروا منكم بشيء ، وتولية الأدبار كناية عن الانهزام معروفة . { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } عطف على جملة الشرط والجزاء ، و { ثُمَّ } للترتيب والتراخي الإخباري أي لا يكن لهم نصر من أحد ثم عاقبتهم العجز والخذلان إن قاتلوكم أو لم يقاتلوكم . وفيه تثبيت للمؤمنين على أتم وجه . وقرىء ( ثم لا ينصروا ) والجملة حينئذٍ معطوفة على جزاء الشرط ، وثم للتراخي في الرتبة بين الخبرين لا في الزمان لمقارنته ، وجوز بعضهم كونها للتراخي في الزمان على القراءتين بناءاً على اعتباره بين المعطوف عليه وآخر أجزاء المعطوف ، وقراءة الرفع أبلغ لخلوها عن القيد .

وفي هذه الآية دلالة واضحة على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولكونها من الإخبار بالغيب الذي وافقه الواقع لأن يهود بني قينقاع وبني قريظة والنضير ويهود خيبر حاربوا المسلمين ولم يثبتوا ولم ينالوا شيئاً منهم ولم تخفق لهم بعد ذلك راية ولم يستقم أمر ولم ينهضوا بجناح .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } وهو الإنكار عليكم بالقول { وَإِن يقاتلوكم } ولم يكتفوا بذلك الإيذاء { يُوَلُّوكُمُ الادبار } ولا ينالون منكم شيئاً لقوة بواطنكم وضعفهم { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } [ آل عمران : 111 ] لا ينصرهم أحد أصلاً بل يبقون مخذولين لعدم ظهور أنوار الحق عليهم ، والله تعالى الموفق .