روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (23)

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب } أي جنس الكتاب { فَلاَ تَكُن في مِرْيَةٍ } أي شك8 وقرأ الحسن { مِرْيَةٍ } بضم الميم { مّن لّقَائِهِ } أي لقائك ذلك الجنس على أن لقاء مصدر مضاف إلى المفعول وفاعله محذوف وهو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم والضمير المذكور للكتاب المراد به الجنس وإيتاء ذلك الجنس باعتبار إيتاء التوراة ولقاؤه باعتبار لقاء القرآن ، وهكذا كقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } [ النمل : 6 ] وقوله سبحانه : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً } [ الإسراء : 3 1 ] وحمل بعضهم { الكتاب } على العهد أي الكتاب المعهود وهو التوراة ولما لم يصح عود الضمير إليه ظاهراً لأنه عليه الصلاة والسلام لم يلق عين ذلك الكتاب قيل : الكلام على تقدير مضاف أي لقاء مثله أو على الاستخدام أو أن الضمير راجع إلى القرآن المفهوم منه ، ولا يخفي ما في كل من البعد ، والمعنى أنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ولقيناه من الوحي مثل ما لقيناك من الوحي فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره ، وخلاصة ما تؤذن به الفاء التفريعية ان معرفتك بأن موسى عليه السلام أوتي التوراة ينبغي أن تكون سبباً لإزالة الريب عنك في أمر كتابك ؛ ونهيه عليه الصلاة والسلام عن أن يكون في شك المقصود منه نهى أمته صلى الله عليه وسلم والتعريض بمن اتصف بذلك ، وقيل : المصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف هو ضميره عليه الصلاة والسلام أي من لقائه إياك ووصوله إليك ، وفي التعبير باللقاء دون الإيتاء من تعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفي على المتدبر ، وقد يقال : إن التعبير به على الوجه السابق مؤذن بالتعظيم أيضاً لكن من حيثية أخرى فتدبر .

وقيل : الكتاب التوراة وضمير { لّقَائِهِ } عائد إليه من غير تقدير مضاف ولا ارتكاب استخدام ، ولقاء مصدر مضاف إلى مفعوله وفاعله موسى أي من لقاء موسى الكتاب أو مضاف إلى فاعله ومفعوله موسى أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه ، فالفاء مثلها في قوله :

ليس الجمال بمئزر *** فاعلم وان رديت برداً

دخلت على الجملة المعترضة بدل الواو اهتماماً بشأنها ، وعن الحسن أن ضمير { لّقَائِهِ } عائد على ما تضمنه الكلام من الشدة والمحنة التي لقي موسى عليه السلام فكأنه قيل : ولقد آتينا موسى هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقى ما لقى هو من الشدة والمحنة بالناس ، والجملة اعتراضية ولا يخفي بعده ، وأبعد منه بمراحل ما قيل : الضمير لملك الموت الذي تقدم ذكره والجملة اعتراضية أيضاً ، بل ينبغي أن يجل كلام الله تعالى عن مثل هذا التخريج .

وأخرج الطبراني . وابن مردويه . والضياء في المختارة بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال في الآية : أي من لقاء موسى . وأخرج ابن المنذر . وغيره عن مجاهد نحوه ، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية أنه قال كذلك فقيل له : أو لقي عليه الصلاة والسلام ؟ قال : نعم ألا ترى إلى قوله تعالى : { واسأل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا } [ الزخرف : 5 4 ] وأراد بذلك لقاءه صلى الله عليه وسلم إياه ليلة الإسراء كما ذكر في الصحيحين . وغيرهما ، وروي نحو ذلك عن قتادة . وجماعة من السلف ، وقاله المبرد حين امتحن الزجاج بهذه الآية ، وكأن المراد من قوله تعالى : { فلا تكن في مرية من لقائه » على هذا وعده تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بلقاء موسى وتكون الآية نازلة قبل الإسراء ، والجملة اعتراضية بالفاء بدل الواو كما سمعت آنفاً .

وجعلها مفرعة على ما قبلها غير ظاهر ، وبهذا اعترض بعضهم على هذا التفسير ، وبالفرار إلى الاعراض سلامة من الاعتراض وكأنى بك ترجحه على التفسير الأول من بعض الجهات والله تعالى الموفق { وَجَعَلْنَاهُ } أي الكتاب الذي آتيناه موسى ، وقال قتادة . أي وجعلنا موسى عليه السلام { هُدًى } أي هادياً من الضلال { لّبَنِى إسرائيل } خصوا بالذكر لما أنهم أكثر المنتفعين به ، وقيل : لأنه لم يتعبد بما في كتابه عليه الصلاة والسلام ولد اسماعيل صلى الله عليه وسلم .