{ إِنَّ المنافقين فِى الدرك الاسفل مِنَ النار } أي في الطبقة السفلى منها وهو قعرها ، ولها طبقات سبع تسمى الأولى كما قيل : جهنم ، والثانية : لظى ، والثالثة : الحطمة ، والرابعة : السعير ، والخامسة : سقر ، والسادسة : الجحيم ، والسابعة : الهاوية ، وقد تسمى النار جميعاً باسم الطبقة الأولى ، وبعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار يجمعها ؛ وتسمية تلك الطبقات دركات لكونها متداركة متتابعة بعضها تحت بعض ، والدرك كالدرج إلا أنه يقال باعتبار الهبوط ، والدرج باعتبار الصعود ، وفي كون المنافق في الدرك الأسفل إشارة إلى شدّة عذابه .
وقد أخرج ابن أبي الدنيا عن الأحوص عن ابن مسعود أن المنافق يجعل في تابوت من حديد يصمد عليه ثم يجعل في الدرك الأسفل وإنما كان أشد عذاباً من غيره من الكفار لكونه ضم إلى الكفر المشترك استهزاءاً بالإسلام وخداعاً لأهله ، وأما ما روى في «الصحيحين » من قوله صلى الله عليه وسلم : " أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا وعد غدر ، وإذا خاصم فجر " فقد قال المحدثون فيه : إنه مخصوص بزمانه صلى الله عليه وسلم لاطلاعه بنور الوحي على بواطن المتصفين بهذه الخصال فأعلم عليه الصلاة والسلام أصحابه رضي الله تعالى عنهم بأماراتهم ليحترزوا عنهم ، ولم يعينهم حذراً عن الفتنة وارتدادهم ولحوقهم بالمحاربين ، وقيل : ليس بمخصوص ولكنه مؤل بمن استحل ذلك ، أو المراد من اتصف بهذه فهو شبيه بالمنافقين الخلص ، وأطلق صلى الله عليه وسلم ذلك عليه تغليظاً وتهديداً له ، وهذا في حق من اعتاد ذلك لا من ندر منه ، أو هو منافق في أمور الدين عرفاً والمنافق في العرف يطلق على كل من أبطن خلاف ما يظهر مما يتضرر به وإن لم يكن إيماناً وكفراً ، وكأنه مأخوذ من النافقاء ، وليس المراد الحصر وهذا صدر منه صلى الله عليه وسلم باقتضاء المقام ، ولذا ورد في بعض الروايات «ثلاث » وفي بعضها «أربع » .
وقرأ الكوفيون { الدرك } بسكون الراء وهو لغة كالسطر والسطر ، والفتح أكثر وأفصح لأنه ورد جمعه على أفعال ، وأفعال في فعل المحرك كثير مقيس ، ووروده في الساكن نادر كفرخ وأفراخ ، وزند وأزناد وكونه استغنى بجمع أحدهما عن الآخر جائز لكنه خلاف الظاهر ، فلا يندفع به الترجيح والكلام مخرّج مخرج الحقيقة ، وزعم أبو القاسم البلخي أن لا طبقات في النار ، وأن هذا إخبار عن بلوغ الغاية في العقاب كما يقال : إن السلطان بلغ فلاناً الحضيض وفلاناً العرش ، يريدون بذل انحطاط المنزلة وعلوها لا المسافة ، ولايخفى أنه خلاف ما جاءت به الآثار ، و { مِنَ النار } في محل النصب على الحال ؛ وفي صاحبها وجهان : أحدهما : أنه { الدرك } والعامل الاستقرار ، والثاني : أنه الضمير المستتر في { الاسفل } لأنه صفة ، فيتحمل الضمير أي حال كون ذلك من النار .
{ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } يخرجهم منه أو يخفف عنهم ما هم فيه يوم القيامة حين يكونون في الدرك الأسفل وكون المراد ولن تجد لهم نصيراً في الدنيا لتكون الآية وصفاً لهم بأنهم خسروا الدنيا والآخرة ليس بشيء كما لا يخفى ، والخطاب لكل من يصلح له .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ إِنَّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار } لتحيرهم بضعف استعدادهم { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [ النساء : 145 ] ينصرهم من عذاب الله تعالى لانقطاع وصلتهم وارتفاع محبتهم مع أهل الله تعالى
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.