روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (143)

{ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك } حال من فاعل { يُرَاءونَ } [ النساء : 142 ] أو من فاعل { يَذَّكَّرُونَ } [ النساء : 142 ] وجوز أن يكون حالاً من فاعل { قَامُواْ } [ النساء : 142 ] أو منصوب على الذم بفعل مقدر ، وذلك إشارة إلى الإيمان والكفر المدلول عليه بذكر المؤمنين والكافرين ، ولذا أضيف { بَيْنَ } إليه ، وروي هذا عن ابن زيد ويصح أن يكون إشارة إلى المؤمنين والكافرين فيكون ما بعده تفسيراً له على حد قوله :

الألمعيَّ الذي يظن بك الظن *** كأن قد رأى وقد سمعا

والمعنى مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان ، وأصل الذبذبة كما قال الراغب : صوت الحركة للشيء المعلق ، ثم استعير لكل اضطراب وحركة ، أو تردد بين شيئين ، والذال الثانية أصلية عند البصريين ، ومبدلة من باء عند الكوفيين ، وهو خلاف معروف بينهم ، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { مُّذَبْذَبِينَ } بكسر الذال الثانية ومفعوله على هذا محذوف أي مذبذبين قلوبهم أو دينهم أو رأيهم ويحتمل أن يجعل لازماً على أن فعلل بمعنى تفعلل كما جاء صلصل بمعنى تصلصل أي متذبذبين ، ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود ( متذبذبين ) .

وقرىء بالدال غير المعجمة وهو مأخوذ من الدبة بضم الدال وتشديد الباء بمعنى الطريقة والمذهب كما في «النهاية » ، ويقال : هو على دبتي أي طريقتي وسمتي ، وفي حديث ابن عباس " اتبعوا دبة قريش ولا تفارقوا الجماعة " والمعنى حينئذ أنهم أخذ بهم تارة طريقاً وأخرى أخرى .

{ لاَ إلى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء } أي لا منسوبين إلى المؤمنين حقيقة لإضمارهم الكفر ، ولا إلى الكافرين لإظهارهم الإيمان ، أو لا صائرين إلى الأولين ولا إلى الآخرين ، ومحله النصب على أنه حال من ضمير { مُّذَبْذَبِينَ } أو على أنه بدل منه ، ويحتمل أن يكون بياناً وتفسيراً له { وَمَن يُضْلِلِ الله } لعدم استعداده للهداية والتوفيق { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } موصلاً إلى الحق والصواب فضلاً عن أن تهديه إليه ، والخطاب لكل من يصلح له وهو أبلغ في التفظيع .