روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِذَا عَلِمَ مِنۡ ءَايَٰتِنَا شَيۡـًٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (9)

{ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءاياتنا شَيْئاً } وإذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها .

{ اتخذها هُزُواً } بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه ، وجوز أن يكون المعنى وإذا علم من آياتنا شيئاً يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملاً يتسلق به على الطعن والغميزة افترصه واتخذ آيات الله تعالى هزواً وذلك نحو اعتراض ابن الزبعري في قوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله على ما بعض الروايات : خصمتك فضمير { اتخذها } على الوجهين للآيات ، والفرق بينهما أن { شَيْئاً } على الثاني فيه تخصيص لقرينة { اتخذها هُزُواً } إذ لا يحتمل إلا ما يحسن أن يخيل فيه ذلك ثم يجعله دستوراً للباقي فيقول : الكل من هذا القبيل ، وفرق بين الوجهين أيضاً بأن الأول الاتخاذ قبل التأمل وفي الثاني بعده وبعد تمييز آية عن أخرى ، وقيل : الاستهزاء بما علمه من الآيات إلا أنه أرجع الضمير إلى الآيات لأن الاستهزاء بواحدة منها استهزاء بكلها لما بينها من التماثل ، وجوز أن يرجع الضمير إلى شيء والتأنيث لأنه بمعنى الآية كقول أبي العتاهية :

نفسي بشيء من الدنيا معلقة *** الله والقائم المهدي يكفيها

يعني الشيء وأراد به عتبة جارية للمهدي من حظاياه وكان أبو العتاهية يهواها فقال ما قال . وقرأ قتادة . ومطر الوراق { عِلْمٍ } بضم العين وشد اللام مبنياً للمفعول { أولئك } إشارة إلى { كل أفاك } [ الجاثية : 7 ] من حيث الاتصاف بما ذكر من القبائح ، والجمع باعتبار الشمول للكل كما في قوله تعالى : { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ الروم : 32 ] كما أن الأفراد فيما سبق من الضمائر باعتبار كل واحد واحد ، وأداة البعد للإشارة إلى بعد منزلتهم في الشر .

{ لَهُمْ } بسبب جناياتهم المذكورة { عَذَابٌ مُّهِينٌ } وصف العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله عز وجل .