روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱسۡتَمِعۡ يَوۡمَ يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (41)

{ واستمع } أمر بالاستماع ، والظاهر أنه أريد به حقيقته ، والمستمع له محذوف تقديره واستمع لما أخبره به من أهوال يوم القيامة ، وبين ذلك بقوله تعالى : { يَوْمَ يُنَادِ المناد } إلى آخره ، وسلك هذا لما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به ، وانتصب { يَوْم } بما دل عليه { ذَلِكَ يَوْمُ الخروج } [ ق : 42 ] أي يوم ينادي المنادى يخرجون من القبور ، وقيل : المفعول محذوف تقديره نداء المنادى ، وقيل : تقديره نداء الكافرين بالويل والثبور و { يَوْم } ظرف لذلك المحذوف ، وقيل : لا يحتاج ذلك إلى مفعول والمعنى كن مستمعاً ولا تكن غافلاً ، وقيل : معنى استمع انتظر ، والخطاب لكل سامع ، وقيل : للرسول عليه الصلاة والسلام و { يوم } منتصب على أنه مفعول به لاستمع أي أنتظر يوم ينادي المنادي فإن فيه تبين صحة ما قلته كما تقول لمن تعد بورود فتح : استمع كذا وكذا . والمنادى على ما في بعض الآثار جبريل عليه السلام بنفخ إسرافيل في الصور وينادي جبريل يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والشعور المتقطعة إن الله يأمرك أن تجتمعي لفصل الحساب . وأخرج ابن عساكر . والواسطي في فضائل بيت المقدس عن يزيد بن جابر أن إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور فيقول : يا أيتها العظام النخرة إلى آخره فيكون المراد بالمنادى هو عليه السلام . وفي «الحواشي الشهابية » الأول هو الأصح { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } هو صخرة بيت المقدس على ما روى عن يزيد بن جابر . وكعب . وابن عباس . وبريدة . وقتادة ، وهي على ما روى عن كعب أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً .

وفي «الكشاف » أنها أقرب إليها باقنين عشر ميلاً وهي وسط الأرض ، وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل إلا بوحي ، ثم إن كونها وسط الأرض مما تأباه القواعد في معرفة العروض والأطوال ، ومن هنا قيل : المراد قريب ممن يناديهم فقيل : ينادي من تحت أقدامهم ، وقيل : من منابت شعورهم فيسمع من كل شعرة يا أيتها العظام النخرة الخ ، ومن الناس من قال : المراد بقربه كون النداء منه لا يخفى على أحد بل يستوي في سماعه كل أحد ، والنداء في كل ذلك على حقيقته ، وجوز أن يكون في الإعادة نظير كن في الابتداء على المشهور فهو تمثيل لإحياء الموتى بمجرد الإرادة ولا نداء ولا صوت حقيقة ، ثم إن ما ذكرناه من أن المنادي ملك وأنه ينادي بما سمعت هو المأثور ، وجوز أن يكون نداؤه بقوله للنفس : ارجعي إلى ربك لتدخلن مكانك من الجنة أو النار أو هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار ، وأن يكون المنادى هو الله تعالى ينادي { احشروا الذين ظَلَمُواْ وأزواجهم } [ الصافات : 22 ] أو { أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } [ ق : 24 ] مع قوله تعالى : { ادخلوها بِسَلامٍ } [ ق : 34 ] أو { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } [ الحاقة : 30 ] أو { أَيْنَ شُرَكَائِىَ } [ النحل : 27 ] أو غير ذلك ، وأن يكون غيره تعالى وغير الملك من المكلفين ينادي { يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [ الزخرف : 77 ] أو { أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله } [ الأعراف : 50 ] أو غير ذلك ، والمعول عليه ما تقدم .