اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱسۡتَمِعۡ يَوۡمَ يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (41)

قوله تعالى : { واستمع يَوْمَ يُنَادِ } هو استماع على بابه . وقيل : بمعنى الانتظار . وهو بعيد . فعلى الأول يجوز أن يكون المفعول محذوفاً ، أي استمع نِدَاءَ المنادي ، أو نداء الكافر بالوَيْل والثبور ، فعلى هذا يكون «يَوْمَ يُنَادِي » ظرفاً ل «اسْتَمِعْ » أي استمع ذلك فِي يَوْم . وقيل : استمع ما أقول لك فعلى هذا يكون «يَوْمَ يُنَادِي » مفعولاً به أي انتظر ذَلِكَ الْيَوْمَ{[52599]} .

وَوَقَفَ ابن كثير على «يُنَادِي » بالياء . والباقون دون ياء . ووجه إثباتها أنه لا مقتضي لحذفها . ووجه حذفها وقفاً اتباع الرسم وكأن الوقْفَ محلّ تخفيفٍ{[52600]} .

وأما «المنادي » فأثبت ابن كثير أيضاً ياءَه وصلاً ووقفاً . ونافع وأبو عمرو بإثباتها وصلاً وحذفها وقفاً ، وباقي السبعة بحذفهما وصلاً ووقفاً . فمن أثبت ، فلأنه الأصل ، ومن حذف فلاتباع الرسم . ومن خص الوقف بالحذف فلأنه محلّ راحة ومحلّ تغيير{[52601]} .

فصل

في «واستمعْ » وجوه :

الأول : أن يكون مفعوله محذوفاً رأساً ، والمقصود : كُنْ مستمعاً ولا تكن مثلَ هؤلاء المُعْرِضين الغافلين ، يقال : هو رجل سَمِيعٌ مطيعٌ ، ولا يراد : مسموع بعينه .

الثاني : استمع ما يوحى إليك .

الثالث : استمع نداء المنادي .

فإن قيل : «استمع » عطف على «فَاصْبِرْ » وَ«سَبِّحْ » وهو في الدنيا ، فالاستماع{[52602]} يكون في الدنيا وما يوحى ( يكون ){[52603]} «يوم ينادي » لا يسمع في الدنيا .

فالجواب : أنه لا يلزم ذلك ، لجواز أن يقال : صَلِّ وادْخُلِ الْجَنَّةَ أي صل في الدنيا وادخل الجنة في العُقْبَى فكذا ههنا .

ويحتمل أن يكون استمع بمعنى انْتَظِرْ . ويحتمل أن يكون المراد : تَأَهَّبْ لهذه الصيحة لئلا يَفْجَأكَ فيُزْعجكَ . والمراد بالمنادي : إما الله تعالى بقوله : { احشروا الذين ظَلَمُواْ } [ الصافات : 22 ] وبقوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } أو بقوله : { أَيْنَ شُرَكَائِيَ } [ النحل : 27 ] ويحتمل أن يكون المراد بالمنادي : إسرافيل قال مقاتل : ينادي إسرافيل بالحشر يا أيتها الْعِظَامُ البالية ، والأوْصال المتقطعة ، واللحوم المتمزقة ، والشُّعور المتفرقة ، إن الله يأمركم أن تجْتَمِعُوا لفَصْل القضاء . أو يكون النداء للنفس فقال : { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى رَبِّكِ } [ الفجر : 27 - 28 ] إذْ{[52604]} ينادي المنادي هؤلاء للجنة ، وهؤلاء للنار ، ويحتمل أن يكون المنادي : هو المكلف لقوله : { وَنَادَواْ يا مالك } [ الزخرف : 77 ] . والظاهر الأول{[52605]} ؛ لأن اللام للعهد والتعريف . والمعهود السابق قوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } .

وقوله : { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي لا يخفى على أحد . وقيل : منْ صَخْرَة بَيْتِ المَقْدِس وهي{[52606]} وسط الأرض . قال الكلبي : هي أَقرب الأَرض إلى السماء بثمانيةَ عَشَرَ ميلاً{[52607]} .


[52599]:قال بذلك معنى الرازي في تفسيره الكبير 28/187 وأبو حيان في البحر المحيط 8/130.
[52600]:السبعة 607 والإتحاف 399 والبحر 8/130.
[52601]:المراجع السابقة وانظر الكشف أيضا 2/386.
[52602]:في (ب) كالاستماع.
[52603]:سقط من (ب).
[52604]:في (ب) أو.
[52605]:قال الرازي: إلا أن الظاهر أن المراد أحد الوجهين الأولين، لأن قوله: المنادي للتعريف وكون الملك في ذلك اليوم مناديا معروف عرف حاله وإن لم يجر ذكره. وانظر فيما مضى معنى تفسير الإمام 28/188.
[52606]:في (ب) وهو.
[52607]:وانظر هذه المعاني في تفسيري البغوي والخازن 6/240 و241.