تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱسۡتَمِعۡ يَوۡمَ يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (41)

الآية 41 وقوله تعالى : { واستمع يوم يُنادِ المُناد من مكان قريب } كأن هذا صلة قوله عز وجل : { فاصبر على ما يقولون } وانظر يوم ينادي المنادي ، ولا تكافئهم ، ولا تنتقم منهم ، ولكن اصبر ، وانتظر ذلك اليوم .

ثم قوله تعالى : { يُناد المُناد } يخرّج على وجهين :

أحدهما : كقوله تعالى : { يوم يدع الدّاع إلى شيء نُكُرٍ } [ القمر : 6 ] أي يوم يدعوهم الداعي إلى شيء ، أنكروه .

والثاني : ما ذكر من نداء بعض لبعض كقوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } الآية [ الأعراف : 44 ] وقوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } [ الأعراف : 50 ] يقول عز وجل انتظر يوم ينادون ، ويُدعون إلى ما أنكروا ، ويوم ينادي بعضهم بعضا .

وقوله تعالى : { من مكان قريب } أي من مكان يسمعون ما ينادون ، ويُدعون ، ويعرفون ما يراد بالدعاء ، ومن يراد به : ينتهي ذلك الدعاء والدعاء إلى كل في نفسه حتى يعرفه .

وذكر أهل التأويل أن المنادي ، هو جبريل عليه السلام عند بيت المقدس بنداء يسمعُه كل أحد ، وبيت المقدس أرفع مكان في الأرض ، وهو يقرُب من السماء بكذا كذا ذراعا ، فهو المكان القريب .

ولكن هذا لا معنى له ، فإنه يسمع صوته جميع الخلائق ، وإن لم يُقِم في ذلك المكان . وليس المراد من القرب ما ذكره ، ولكن على الأسماع في أيّ موضع كانوا ، ومن يسمع شيئا فذلك منه قريب ، والله أعلم .