البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱسۡتَمِعۡ يَوۡمَ يُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانٖ قَرِيبٖ} (41)

{ واستمع } : أمر بالاستماع ، والظاهر أنه أريد به حقيقة الاستماع ، والمستمع له محذوف تقديره : واستمع لما أخبر به من حال يوم القيامة ، وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : « يا معاذ اسمع ما أقول لك » ، ثم حدثه بعد ذلك .

وانتصب { يوم } بما دل عليه ذلك .

{ يوم الخروج } : أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور .

وقيل : مفعول استمع محذوف تقديره : نداء المنادي .

وقيل تقديره : نداء الكافر بالويل والثبور .

وقيل : لا يحتاج إلى مفعول ، إذ حذف اقتصاراً ، والمعنى : كن مستمعاً ، ولا تكن غافلاً معرضاً .

وقيل معنى واستمع : وانتظر ، والخطاب لكل سامع .

وقيل : للرسول ، أي ارتقبه ، فإن فيه تبين صحة ما قلته ، كما تقول لمن تعده بورود فتح : استمع كذا وكذا ، أي كن منتظراً له مستمعاً ، فيوم منتصب على أنه مفعول به .

وقرأ ابن كثير : المنادى بالياء وصلاً ووقفاً ، ونافع ، وأبو عمرو ؛ بحذف الياء وقفاً ، وعيسى ، وطلحة ، والأعمش ، وباقي السبعة : بحذفها وصلاً ووقفاً اتباعاً لخط المصحف ، ومن أثبتها فعلى الأصل ، ومن حذفها وقفاً فلأن الوقف تغيير يبدل فيه التنوين ألفاً نصباً ، والتاء هاء ، ويشدّد المخفف ، ويحذف الحرف في القوافي .

والمنادي في الحديث : « أن ملكاً ينادي من السماء أيتها الأجسام الهامدة والعظام البالية والرمم الذاهبة هلموا إلى الحشر والوقوف بين يدي الله تعالى » { من مكان قريب } : وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلق .

قيل : والمنادي إسرافيل ، ينفخ في الصور وينادي .

وقيل : المنادي جبريل .

وقال كعب ، وقتادة وغيرهما : المكان صخرة بيت المقدس ، قال كعب : قربها من السماء بثمانية عشر ميلاً ، كذا في كتاب ابن عطية ، وفي كتاب الزمخشري : باثني عشر ميلاً ، وهي وسط الأرض .

انتهى ، ولا يصح ذلك إلا بوحي .