روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (18)

{ إِنَّ المصدقين والمصدقات } أي المتصدقين والمتصدقات ، وقد قرأ أبيّ كذلك ، وقرأ ابن كثير ، وأبو بكر . والمفضل . وأبان . وأبو عمر وفي رواية هارون بتخفيف الصاد من التصديق لا من الصدقة كما في قراءة الجمهور أي الذين صدقوا واللاتي صدقن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والقرءاة الأولى أنسب بقوله تعالى : { وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً } وقيل : الثانية أرجح لأن الإقراض يغني عن ذكر التصدق ، وأنت ستعلم إن شاء الله تعالى فائدته ، وعطف { أقرضوا } على معنى الفعل من المصدقين على ما اختاره أبو علي . والزمخشري لأن أل بمعنى الذين ، واسم الفاعل بمعنى الفعل فكأنه قيل : إن الذين اصدقوا أو صدقوا على القراءتين { الزكواة وَأَقْرِضُواُ } وتعقبه أبو حيان وغيره بأن فيه الفصل بين أجزاء الصلة إذ المعطوف على الصلة صلة بأجنبي وهو المصدقات ، وذلك لا يجوز ، وقال صاحب التقريب : هو محمول على المعنى كأنه قيل : إن الناس الذين تصدقوا وتصدقن وأقرضوا فهو عطف على الصلة من حيث المعنى بلا فصل ، وتعقب بأنه لا محصل له إلا إذا قيل : إن أل الثانية زائدة لئلا يعطف على صورة جزء الكلمة ، وفيه بعد ، ولا يخفى أن حديث اعتبار المعنى يدفع ما ذكر ، ومن هنا قيل : إنه قريب ولا يبعد تنزيل ما تقدم عن أبي علي ، والزمخشري عليه ، وقيل : العطف على صلة أل في المصدقات واختلاف الضمائر تأنيثاً وتذكيراً لا يضر لأن أل تصلح للجميع فيراد بها معنى اللاتي عند عود ضمير جمع الإناث عليها ومعنى الذين عند عود ضمير جمع الذكور عليها وهو كما ترى ، ومثله ما قيل : هو من باب كل رجل وضيعته أي إن المصدقين مقرونون مع المصدقات في الثواب والمنزلة ، أو يقدر خبر أي إن المصدقين والمصدقات يفلحون { وَأَقْرِضُواُ } في الوجهين ليس عطفاً على الصلة بل مستأنف ويضاعف بعد صفة قرضاً أو استئناف ومن أنصف لم ير ذلك مما ينبغي أن يخرج عليه كلام أدنى الفصحاء فضلاً عن كلام رب العالمين ، واختار أبو حيان تخريج ذلك على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه كأنه قيل : والذين أقرضوا فيكون مثل قوله

: فمن يهجر رسول الله منكم *** ( ويمدحه وينصره ) سواء

وهو مقبول على رأي الكوفيين دون رأي البصريين فإنهم لا يجوزون حذف الموصول في مثله ، وبعض أئمة المحققين بعد أن استقرب توجيه التقريب ولم يستبعد تنزيل ما سمعت عن الزمخشري . وأبي علي عليه قال : وأقرب منه أن يقال : إن { المصدقات } منصوب على التخصيص كأنه قيل : { إن المتصدقين } عاماً على التغليب وأخص المتصدقات منهم كما تقول : إن الذين آمنوا ولاسيما العلماء منهم وعملوا الصالحات لهم كذا .

ووجه التخصيص ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار » يحضهن على الصدقة بأنهن إذا فعلن ذلك كان له تعالى أقبل وجزاؤه عنه سبحانه أوفر وأفضل ، ثم قال : ولما لم يكن الاقراض غير ذلك التصدق قيل : وأقرضوا أي بذلك التصدق تحقيقاً لكينونته وأنهم مثل ذلك ممثلون عند الله تعالى بمن يعامل مع أجود الأجودين معاملة برضاه ، ولو قيل : والمقرضين لفاتت هذه النكتة انتهى .

ولا يخفى أن نصب المصدقات على التخصيص خلاف الظاهر ، وأما ما ذكره في نكتة العدول عن المقروضين فحسن وهو متأت على تخريج أبي علي . والزمخشري ، وعلى تخريج أبي حيان ، وقال الخفاجي : القول أي قول أبي البقاء بأن أقرضوا الخ معترض بين اسم إن وخبرها أظهر وأسهل ، وكأن النكتة فيه تأكيد الحكم بالمضاعفة ، وزعم أن الجملة حال بتقدير قد أو بدونها من ضميري المصدقين والمصدقات لا يخفى معنى وعربية فتدبر { يُضَاعَفُ لَهُمُ } الضمير لجميع المتقدمين الذكور والإناث على التغليب كضمير أقرضوا ، والجار والمجرور نائب الفاعل ، وقيل : هو ضمير التصدق أو ضمير القرض على حذف مضاف أي يضاعف ثواب التصدق أو ثواب القرض لهم ، وقرأ ابن كثير . وابن عامر يضعف بتشديد العين ، وقرئ يضاعف بالبناء للفاعل أي يضاعف الله عز وجل لهم ثواب ذلك { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } قد مر الكلام فيه .