الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (18)

و{ المصدقين } : يعني به المتصدقين ، وباقي الآية بين .

( ت ) : وقد جاءت آثار صحيحة في الحَضِّ على الصدقة ، قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر ، وأسند مالك في «الموطأ » عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ قال : " يَا نِسَاءَ المُؤْمِنَاتِ ، لاَ تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا ، وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقاً " . وفي «الموطأ » عنه صلى الله عليه وسلم : " رُدُّواْ السَّائِلَ وَلَوْ بِظَلِفٍ مُحْْرَّقٍ " قال ابن عبد البر في «التمهيد » : ففي هذا الحديث الحَضُّ على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها ، وفي قول اللَّه عز وجل : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] أوضح الدلائل في هذا الباب ، وتصدقت عائشةُ رضي اللَّه عنها بحبتين من عنب ، فنظر إليها بَعْضُ أهل بيتها فقالت : لا تَعْجَبْنَ ؛ فكم فيها من مثقال ذرة ، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : " اتَّقُوا النَّارَ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " وإِذا كان اللَّه عز وجل يُرْبي الصدقاتِ ، ويأخذ الصدقةَ بيمينه فَيُرَبِّيَهَا ، كما يُرَبِّي أَحَدُنَا فَلَوَّه أَوْ فَصِيلَهُ فما بالُ مَنْ عَرَفَ هذا يَغْفُلُ عنه ! وما التوفيق إلاَّ باللَّه ، انتهى من «التمهيد » ، وروى ابن المبارك في «رقائقه » قال : أخبرنا حرملة بن عمران أَنَّهُ سَمِعَ يزيد بن أبى حَبِيبٍ يحدِّثُ أَنَّ أبا الخير حدثه : أَنَّه سمع عقبة بن عامر يقول : سَمِعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَل بَيْنَ النَّاسِ " قال يزيد : فكان أبو الخير لا يخطئه يومٌ إلاَّ تصدق فيه بشيء ، ولو كَعْكَةً أو بَصَلَةً أو كذا ، انتهى .