اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (18)

قوله تعالى : { إِنَّ المصدّقين والمصدّقات } .

خفف الصاد{[55371]} منهما ابن كثير ، وثقلها باقي السَّبعة .

فقراءة ابن كثير من التصديق ، أي : صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، كقوله : { والذي جَاءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ } [ الزمر : 33 ] ، وقراءة الباقين من الصدقة وهو مناسب لقوله : «وأقرضوا » والأصل : المتصدّقين والمتصدّقات ، فأدغم ، وبها قرأ أبي{[55372]} .

وقد يرجح الأول بأن الإقْرَاض مُغنٍ عن ذكر الصدقة .

قوله : «وأقْرَضُوا » فيه ثلاثة أوجه{[55373]} :

[ أحدها ] {[55374]} : أنه معطوف على اسم الفاعل في «المصدّقين » ؛ لأنه لما وقع صلة ل «ال » حل محل الفعل ، كأنه قيل : إن الذين صدقوا وأقرضوا ، وعليه جمهور المعربين ، وإليه ذهب الفارسي{[55375]} ، والزمخشري{[55376]} ، وأبو البقاء{[55377]} .

وهو فاسد ؛ لأنه يلزم الفصل بين أبعاض الصِّلة بأجنبي ، ألا ترى أنَّ «المصدقات » عطف على «المصدقين » قبل تمام الصِّلة ، ولا يجوز أن يكون عطفاً على «المصدقات » لتغايُر الضمائر تذكيراً وتأنيثاً .

الثاني : أنه معترض بين اسم «إن » وخبرها ، وهو «يضاعف » .

قال أبو البقاء{[55378]} : «وإنما قيل ذلك لئلاَّ يعطف الماضي على اسم الفاعل » .

قال شهاب الدين{[55379]} : «ولا أدري ما هذا المانع ؛ لأن اسم الفاعل متى وقع صلة ل «ال » صلح للأزمنة الثلاثة ، ولو منع بما ذكرته من الفصل بأجنبي لأصاب ، ولكن خفي عليه كما خفي على الفارسي والزمخشري » .

الثالث : أنه صلةٌ لموصول محذوف لدلالة الأول عليه ، كأنه قيل : «الذين أقرضوا » ؛ كقوله : [ الوافر ]

أمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّه مِنْكُمْ *** ويَنْصُرهُ ويمْدَحهُ سَوَاءُ ؟{[55380]}

أي : ومن ينصره ، واختاره أبو حيان{[55381]} .

قال ابن الخطيب{[55382]} : وفي الآية إشكال ، وهو أن عطفه الفعل على الاسم قبيحٌ ، فما فائدة التزامه هنا ؟ .

وأجاب بأن الزمخشري قال : «وأقرضوا » معطوف على معنى الفعل في التصديق ؛ لأن «اللام » بمعنى «الذين » ، واسم الفاعل بمعنى «صدقوا وأقرضوا » .

قال : وهذا لا يزيل الإشكال ، فإنه ليس فيه بيان أنه لم عدل عن ذلك اللفظ [ إلى هذا اللفظ ]{[55383]} .

والذي عندي فيه أن الألف واللام في «المصدّقين والمصدّقات » للمعهود ، فكأنه ذكر جماعة معينين بهذ الموصف ، ثم قبل ذكر الخبر أخبر عنهم بأنهم أتوا بأحسن أنواع الصدقة ، وهو القرضُ ، ثم ذكر الخبر بعد ذلك فقال : «يُضَاعَفُ لَهُمْ » .

فقوله : «وأقرضوا » ؛ كقوله : [ السريع ]

إنَّ الثَّمَانينَ وبُلِّغْتَهَا *** . . . . . . . . . . . . . . . {[55384]}

قوله : { يُضَاعَفُ لَهُمْ } في القائم مقام الفاعل وجهان{[55385]} :

أظهرهما : أنه الجار بعده .

والثاني : أنه ضمير التصديق ، ولا بد من حذف مضاف ، أي : ثواب التصديق .

وقرأ الأعمش{[55386]} ؛ «يُضَاعِفُهُ » بكسر العين ، وزيادة هاء .

وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب{[55387]} : «يُضَعَّفُ » بتشديد العين وفتحها .

{ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } يعني : الجنة .


[55371]:ينظر: السبعة 262، والحجة 6/274، وإعراب القراءات 2/351، وحجة القراءات 701، والعنوان 186، وشرح شعلة 598، وشرح الطيبة 6/41، وإتحاف 2/522.
[55372]:ينظر: المحرر الوجيز 5/265، والبحر المحيط 8/222، والدر المصون 6/278.
[55373]:ينظر: الدر المصون 6/278.
[55374]:سقط من أ.
[55375]:الحجة 6/275.
[55376]:الكشاف 4/278.
[55377]:الإملاء 2/1209.
[55378]:السابق 2/1209.
[55379]:الدر المصون 6/278.
[55380]:تقدم.
[55381]:البحر المحيط 8/222.
[55382]:التفسير الكبير 29/201.
[55383]:سقط من ب.
[55384]:تقدم.
[55385]:ينظر: الدر المصون 6/278.
[55386]:ينظر: القرطبي 17/164.
[55387]:ينظر: العنوان 186، وإتحاف 2/522، والقرطبي 17/164.