إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (18)

{ إِنَّ المصدقين والمصدقات } أي المتصدقينَ والمتصدقاتِ وقد قُرِئَ كذلكَ ، وقُرِئَ بتخفيفِ الصادِ من التصديقِ ، أي الذينَ صدقُوا الله ورسولَه { وَأَقْرِضُوا الله قَرْضاً حَسَناً } قيلَ : هُو عطفٌ على ما في المصدقينَ من مَعْنى الفعلِ فإنَّه في حُكمِ الذين اصدَّقُوا أو صَدَقُوا عَلى القراءتينِ وعُقبَ بأنَّ فيهِ فصلاً بين أجزاءِ الصلةِ بأجنبيَ وهو المُصدِّقاتِ وأُجيبَ بأنَّ المَعْنى أنَّ الناسَ الذينَ تصدَّقُوا وتصدَّقنَ وأقرضُوا فهو عطفٌ على الصلةِ من حيثُ المَعْنى من غيرِ فصلٍ ، وقيلَ إنَّ المُصدِّقاتِ ليسَ بعطفٍ على المُصدِّقينِ بل هُو منصوبٌ على الاختصاصِ كأنه قيلَ إنَّ المصدقينَ على العموم تغليباً وأخصُّ المصدقاتِ من بينهُم كما تقولُ إنَّ الذينَ آمنُوا ولا سيَّما العلماء منهُم وعملُوا الصالحاتِ لهم كَذا لكنْ لا على أنَّ مدارَ التخصيصِ مزيدُ استحقاقِهنَّ لمضاعفةِ الأجرِ كما في المثالِ المذكورِ بل زيادةُ احتياجهنَّ إلى التصدقِ الداعيةُ إلى الاعتناءِ بحثهنَّ على التصدقِ لما رُويَ أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ : «يا معشرَ النِّساءِ تصدَّقن فإنِّي أرُيتُكنَّ أكثرَ أهلِ النَّارِ »{[772]} وقيلَ : هو صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ معطوفٍ على المصدقينَ كأنَّه قيلَ والذينَ أقرضُوا . والقرضُ الحسنُ عبارةٌ عنِ التصدقِ من الطيبِ عن طيبةِ النفسِ وخلوصِ النيةِ على المستحقِّ للصدقةِ . { يُضَاعَفُ لَهُمُ } على البناءِ للمفعول مُسنداً إلى ما بعدَهُ من الجارِّ والمجرورِ ، وقيلَ : إلى مصدرِ مَا في حيزِ الصِّلةِ على حذفِ مضافٍ أيْ ثوابُ التصدقِ . وقُرِئَ على البناء للفاعل أي يُضاعِفُ الله تعالَى ، وقُرِئَ يُضعَّفُ بتشديدِ العينِ وفتحِها { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } مرَّ ما فيهِ من الكلامِ .


[772]:أخرجه البخاري في كتاب الحيض باب (6)، ومسلم في كتاب الإيمان حديث (132)؛ وكتاب العيدين حديث (4)، وكتاب الزكاة حديث (46، 47)؛ والترمذي في كتاب الزكاة باب (12)، وكتاب الإيمان باب (6)؛ والنسائي في كتاب الزكاة باب (82)، وابن ماجه في كتاب الفتن باب (19)؛ والدارمي في كتاب الزكاة باب (23)؛ وأحمد في المسند (1/376، 423، 325، 436)؛ (2/66)؛ (3/318)، 502، 503)، (4/283)، (6/363).