محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (18)

{ إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم }

{ إن المصدقين والمصدقات } أي المتصدقين والمتصدقات في سبيل الله { وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم والذين ءامنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } أي لتصديقهم بجميع أخبار الله وأحكامه وشهادتهم بحقية جميع ذلك ، وقد جوز في الشهداء وجهان : أحدهما أن يكون معطوفا على ما قبله أخبر عن الذين آمنوا أنهم صديقون شهداء وهو الظاهر لأن الأصل الوصل لا التفكيك .

والثاني أن يكون مبتدأ خبره { لهم أجرهم } و { الشهداء } حينئذ إما الأنبياء الذين يشهدون على قومهم بالتبليغ أو الذين يشهدون للأنبياء على قومهم أو الذين قتلوا في سبيل الله واختار الوجه الثاني ابن جرير{[6973]} : قال لأن الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم ( شهيد ) لا بمعنى غيره إلا أن يراد به شهيد على ما آمن به وصدقه فيكون ذلك وجها وإن كان فيه بعض البعد لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه إذا أطلق بغير وصل{[6974]} فتأويل قوله { والشهداء عند ربهم } إذن ، والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، أو هلكوا في سبيله ، عند ربهم ، لهم ثواب الله وفي الآخرة ونورهم انتهى .

ثم رأيت لابن القيم في ( طريق الهجرتين ) بسطا لهذين الوجهين في بحث الصديقية ننقله لنفاسته قال رحمه الله في مراتب المكلفين في الآخرة وطبقاتهم : الطبقة الرابعة : ورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم وهم القائمون بما بعثوا به علما وعملا ، ودعوة للخلق إلى الله على طريقهم ومنهاجهم وهذه أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة ، وهي مرتبة الصديقية ولهذا قرنهم الله في كتابه بالأنبياء فقال تعالى{[6975]} { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة ، وهؤلاء هم الربانيون وهم الراسخون في العلم وهم الوسائط بين الرسول وأمته ، فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه . وهم المضمون لهم أنهم لايزالون على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . وقال تعالى{[6976]} :

{ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } .


[6973]:انظر الصفحة رقم 231 من الجزء السابع والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).
[6974]:قوله بغير وصل أي كقوله (شهداء على الناس).
[6975]:4/ النساء / 69.
[6976]:47/ الحديد/ 19.