الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ} (18)

قوله : { الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ } : خَفَّفَ الصاد منها ابنُ كثير وأبو بكر ، وثَقَّلها باقي السبعة . فقراءةُ ابنِ كثيرٍ من التصديق ، أي : صَدَّقوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به كقولِه تعالى : { وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [ الزمر : 33 ] ، وقراءةُ الباقين من الصدقة وهو مناسِبٌ لقولِه " وأَقْرَضوا " والأصل : المُتَصَدِّقين والمتُصدِّقات فَأَدْغَمَ ، وبها قرأ أُبَيٌ . وقد يُرَجَّحُ الأولُ . بأنَّ الإِقراضَ مُغْنٍ عن ذِكْرِ الصدقة .

قوله { وَأَقْرَضُواْ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه معطوفٌ على اسم الفاعلِ في " المُصَّدِّقين " لأنَّه لمَّا وقع صلةً لأل حَلَّ مَحَلَّ الفعلِ ، فكَأنَّه قيل : إن الذين صَدَّقوا وأَقْرضوا ، وعليه جمهورُ المُعربين . وإليه ذهب الفارِسيُّ والزمخشري وأبو البقاء . وهو فاسدٌ لأنه يَلْزَمُ الفصلُ بين أَبْعاضِ الصلة بأجنبي . ألا ترى أنَّ " المُصَّدِّقات " عطفٌ على " المصَّدِّقين " قبل تمام الصلةِ ، ولا يجوز أن يكونَ عطفاً على المُصَّدِّقاتِ لتغايُرِ الضمائرِ تذكيراً وتأنيثاً .

الثاني : أنه معترضٌ بين اسم " إنَّّ " وخبرها وهو " يُضاعَفُ " . قال أبو البقاء : " وإنما قيل ذلك لئلاَّ يُعْطفَ الماضي على اسم الفاعل " ولا أَدْري ما هذا المانعُ ؟ لأنَّ اسمَ الفاعلِ متى وقع صلةً لأل صَلَحَ للأزمنةِ الثلاثة ، ولو مَنَع بما ذكَرْتُه من الفصلِ بالأجنبي لأصابَ ، ولكن خَفي عليه كما خَفي على مَنْ هو أكبرُ منه : الفارسيُّ والزمخشريُّ .

الثالث : أنه صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ لدلالةِ الأول عليه كأنه قيل : والذين أَقْرضوا كقولِه :

أَمَنْ يَهْجُو رسولَ اللَّهِ مِنْكُمْ *** ويَمْدَحُه ويَنْصُرُه سَواءُ

أي : ومَنْ ينصُرُه واختاره الشيخ : وهذا قد عَرَفْتَ ما فيه في أوائلِ هذا التصنيفِ .

قوله { يُضَاعَفُ لَهُمْ } القائم مقامَ الفاعلِ فيه وجهان ، أحدهما : وهو الظاهرُ أنَّه الجارُّ بعده . والثاني : أنَّه ضميرُ التصديقِ ، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ ، أي : ثوابُ التصديق .