{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى } أي القرى المهلكة المدلول عليها بقوله سبحانه : { فِى قَرْيَةٍ } [ الأعراف : 94 ] فاللام للعهد الذكرى والقرية وإن كانت مفردة لكنها في سياق النفي فتساوي الجمع ، وجوز أن تكون اللام للعهد الخارجي إشارة إلى مكة وما حولها . وتعقب ذلك بأنه غير ظاهر من السياق ، ووجه بأنه تعالى لما أخبر عن القرى الهالكة بتكذيب الرسل وأنهم لو آمنوا سلموا وغنموا انتقل إلى انذار أهل مكة وما حولها مما وقع بالأمم والقرى السابقة .
وجوز في «الكشاف » أن تكون للجنس ، والظاهر أن المراد حينئذ ما يتناول القرى المرسل إلى أهلها من المذكورة وغيرها لا ما لا يتناول قرى أرسل إليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ وغيرها كما قيل لإباء ظاهر ما في حين الاستدراك الآتي { ءامَنُواْ } أي بما أنزل على أنبيائهم { واتقوا } أي ما حرم الله تعالى عليهم كما قال قتادة ويدخل في ذلك ما أرادوه من كلمتهم السابقة .
{ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والارض } أي ليسرنا عليهم الخير من كل جانب ، وقيل : المراد بالبركات السماوية المطر وبالبركات الأرضية النبات ، وأياً ما كان ففي فتحنا استعارة تبعية . ووجه الشبه بين لمستعار منه والمستعار له الذي أشرنا إليه سهولة التناول ، ويجوز أن يكون هناك مجاز مرسل والعلاقة اللزوم ويمكن أن يتكلف لتحصيل الاستعارة التمثيلية ، وفي الآية على ما قيل إشكال وهو أنه يفهم بحسب الظاهر منها أنه لم يفتح عليهم بركات من السماء والأرض ، وفي الأنعام { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } [ الأنعام : 44 ] وهو يدل على أنه فتح عليهم بركات من السماء والأرض ؛ وهو معنى قوله سبحانه : { أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } وهو يدل على أنه فتح عليهم بركات من السماء والأرض ؛ وهو معنى قوله سبحانه : { أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } لأن المراد منها الخصب والرخاء والصحة والعافية المقابلة أخذناهم بالبأساء والضراء ، وحمل فتح البركات على إدامته أو زيادته عدول عن الظاهر وغير ملائم لتفسيرهم الفتح بتيسير الخير ولا المطر والنبات . وأجاب عنه الخيالي بأنه ينبغي أن يارد بالبركات غير الحسنة أو يراد آمنوا من أول الأمر فنجوا من البأساء والضراء كما هو الظاهر ، والمراد في سورة الأنعام بالفئج ما أريد بالحسنة ههنا فلا يتوهم الأشكال انتهى . وأنت خبير بأن أرادة آمنوا من أول الأمر إلى آخره غير ظاهرة بل الظاهر أنهم لو أنهم آمنوا بعد أن ابتلوا ليسرنا عليهم ما يسرنا مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التي بعضها من السماء كأمطار الحجارة وبعضها من الأرض كالرجفة وبهذا ينحل الإشكال لأن آية الأنعام لا تدل على نه فتح لهم هذا الفتح كما هو ظاهر لتاليها ، وما ذكر من أن المراد بالفتح هناك ما أريد بالحسنة ههنا إن كان المراد به أن الفتح هناك واقع موقع إعطاء الحسنة بدل السيئة هنا حيث كان ذكر كل منهما بعد ذكر الأخذ بالبأساء والضراء وبعده الأخذ بغتة فربما يكون له وجه لكنه وحده لا يجدي نفعاً ، وإن كان المراد به أن مدلول ذلك العام المراد به التكثير هومدلول الحسنة فلا يخفى ما فيه فتدبر ، وقيل : المراد بالبركات السماوية والأرضية الأشياء التي تحمد عواقبها ويسعد في الدارين صاحبها وقد جاءت البركة بمعنى السعادة في كلامهم فتحمل هنا على الكامل من ذلك الجنس ولا يفتح ذلك إلا للمؤمن بخلاف نحو المطر والنبات والصحة والعافية فإنه يفتح له وللكافر أيضاً استدراجاً ومكراً ، ويتعين هذا الحمل على ما قيل إذا أريد من القرى ما يتناول قرى أرسل إليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ وغيرها ، وقيل : البركات السماوية إجابة الدعاء والأرضية قضاء الحوائج فليفهم .
وقرأ ابن عامر { لَفَتَحْنَا } بالتشديد { ولكن كَذَّبُواْ } أي ولكن لم يؤمنوا ولم يتقوا ، وقد اكتفى بذكر الأول لاستلزامه الثاني وللإشارة إلى أنه أعظم الأمرين { فأخذناهم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من أنواع الكفر والمعاصي التي من جملتها قولهم السابق ، والظاهر أن هذا الأخذ والمتقدم في قوله سبحانه : { فأخذناهم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ الأعراف : 95 ] واحد وليس عبارة عن الجدب والقحط كما قيل : لأنهما قد زالا بتبديل الحسنة مكان السيئة ، وحمل أحد الأخذين على الأخذ الأخروي والآخر على الدنيوي بعيد ، ومن ذهب إلى حمل أل على الجنس على الوجه الأخير فيه يلزمه أن يحمل كذبوا فأخذناهم على وقوع التكذيب والأخذ فيما بينهم ولا يخفى بعده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.