التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (134)

قوله تعالى : { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون } ( تلك ) اسم إشارة في محل رفع على الابتداء ،

( أمة ) خبر مرفوع . والجملة الفعلية بعده نعت . و ( خلت ) بمعنى مضت ، ويراد بالأمة المشار إليها والتي مضت هي آباء بني إسرائيل من النبيين مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم . فقد كان بنو إسرائيل يركنون إلى انتسابهم إلى آبائهم من النبيين والمرسلين ، ويفاخرون الناس بهذا الانتساب ، فبينت لهم هذه الآية أن السابقين من النبيين والصالحين قد مضوا ، وأن ما كسبوه من عمل فهو لهم وليس بعائد عليكم ، وأنه لن ينفعكم إلا ما قدمتموه لأنفسكم من أعمال .

وكذلك فإن أحد من أولئك لن يحمل من أوزاركم شيئا ، وأن ما تقارفونه من الآثام والفسق والمعاصي إنما يحيق بكم وحدكم ، ولن يغني عنكم أسلافكم من ذلك شيئا . وفي ذلك يقول سبحانه : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا تحمل نفس ما اقترفه نفس أخرى من مخالفات وسيئات .

وكذلك الذي ورد في الحديث المرفوع " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه " فإن كانت كفة الأعمال للمرء مرجوحة ، فلن يشفع له أن يكون ذا نسب رفيع مشهور ؛ إذ لا قيمة لا عتبارات الحسب أو النسب أو العصبية كيفما كان نوعها أو صورتها ، ولكن الاعتبار كله للعمل الصالح المشروع الذي تسبقه النية الحسنة والإخلاص الكامل لله وحده .

وعلى هذا فإن ما قدمه السلف من خير العمل ليس عائدا إلا عليهم أنفسهم ، وإن كان الذي قدموه شرا فهو عليهم وحدهم ولا يسأل عنه الخلف وفي هذا يقول سبحانه : { ولا تسألون عما كانوا يعملون } .