جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (134)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : { تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ } : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم . يقول لليهود والنصارى : يا معشر اليهود والنصارى دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله ولا تنحلوهم كفر اليهودية والنصرانية فتضيفوها إليهم ، فإنهم أمة ويعني بالأمة في هذا الموضع الجماعة ، والقرن من الناس قد خلت : مضت لسبيلها . وإنما قيل للذي قد مات فذهب : قد خلا ، لتخلّيه من الدنيا ، وانفراده بما كان من الأنس بأهله وقرنائه في دنياه ، وأصله من قولهم : خلا الرجل ، إذا صار بالمكان الذي لا أنيس له فيه وانفرد من الناس ، فاستعمل ذلك في الذي يموت على ذلك الوجه . ثم قال تعالى ذكره لليهود والنصارى : إنّ لمن نحلتموه بضلالكم وكفركم الذي أنتم عليه من أنبيائي ورسلي ما كسبت . والهاء والألف في قوله : لَهَا عائدة إن شئت على «تلك » ، وإن شئت على «الأمة » .

ويعني بقوله : { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أي ما عملت من خير ، ولكم يا معشر اليهود والنصارى مثل ذلك ما عملتم . ولا تؤاخذون أنتم أيها الناحلون ما نحلتموهم من الملل ، فتُسألوا عما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم يعملون فيكسبون من خير وشرّ لأن لكل نفس ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت . فدعوا انتحالهم وانتحال مللهم ، فإن الدعاوى غير مغنيتكم عند الله ، وإنما يغني عنكم عنده ما سلف لكم من صالح أعمالكم إن كنتم عملتموها وقدمتموها .