{ تلك } إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون ، { خلت } مضت وانقرضت والغرض أنه لم يبق منهم أثر سوى ما عملوا ، ولهذا قيل { لها ما كسبت } أي ثوابه يريد أني اقتصصت عليكم أخبارهم وما كانوا عليه من الدعوة إلى الإسلام فليس لكم نفع في سيرتهم دون أن تفعلوا ما فعلوه ، فإن أنتم فعلتم ذلك فزتم كما فازوا ، وإن أبيتم خسرتم أنتم دونهم { ولا تُسألون عما كانوا يعملون } لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا ينفعكم حسناتهم ، وفيه تكذيب لليهود حيث قالوا إنهم يعذبون أياماً معدودة لكفر آبائهم باتخاذ العجل . وفي الآية وعيد شديد للأبناء إذا لم يعملوا بعمل الآباء قال صلى الله عليه وسلم " يا صفية عمة محمد يا فاطمة بنت محمد ائتوني يوم القيامة بأعمالكم لا بأنسابكم فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً " " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه " ثم الآية تدل على أن للعبد كسباً ولكن الأئمة اختلفوا في تفسيره ، فالأشعري على أنه لا تأثير لقدرة العبد في مقدور أصلاً ، لأنه لو كان موحداً لأفعاله لكان عالماً بتفاصيل فعله وليس كذلك ، ولما وقع إلا ما أراده العبد وليس كذلك ، بل المقدور والقدرة كلاهما واقع بقدرة الله تعالى ، لكن الشيء الذي حصل بخلق الله وهو متعلق القدرة الحادثة هو الكسب ، واعترض عليه بأن مقدور العبد إذا كان واقعاً بخلق الله تعالى ، فإذا خلقه فيه استحال من العبد أن لا يتصف حينئذ به ، وإذا لم يخلقه فيه استحال أن يتصف به ، فأي معنى لكون العبد قادراً عليه ؟ وأيضاً الذي هو مكتسب العبد إما أن يكون واقعاً بقدرة الله فلا أثر للعبد فلا يكون مكتسباً له وإن وقع بالقدرتين معاً فلا تكون قدرة الله تعالى مستقلة ، والمفروض بالخلاف ، فبقي أن يكون بقدرة العبد ، وعن القاضي : أن ذات الفعل واقعة بقدرة الله تعالى ثم يحصل لذلك الفعل صفة طاعة أو صفة معصية ، فهذه الصفة تقع بقدرة العبد . وضعف بأن المحرم من الجلوس في الدار المغصوبة ليس إلا شغل تلك الأحياز ، فهذا الشغل إن حصل بفعل الله تعالى فعين المنهي عنه قد خلقه الله فيه وهذا تكليف ما لا يطاق ، وإن حصل بقدرة العبد فهو المطلوب . وزعم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني أن ذات الفعل تقع بالقدرتين ، وزيف بأن قدرة الله مستقلة بالتأثير . ومنهم من زعم أن القدرة الحادثة مع الداعي توجب الفعل ، فالله تعالى هو الخالق للكل بمعنى أنه سبحانه هو الذي وضع الأسباب المؤدية إلى دخول هذه الأفعال في الوجود ، والعبد هو المكتسب بمعنى أن المؤثر في وقوع فعله هو القدرة والداعية القائمتان به ، وإلى هذا ذهب إمام الحرمين وهو مناسب لقول الفلاسفة . وزعم جمهور المعتزلة أن القدرة مع الداعي لا توجب الفعل بل العبد قادر على الفعل والترك متمكن منهما إن شاء فعل وإن شاء ترك وهذا هو الفعل والكسب . فهذا تقرير المذاهب ، وقول الأشعري أقرب إلى الأدب ، وقول إمام الحرمين أقرب إلى التحقيق لأن نسبة الأثر إلى المؤثر القريب لا تنافي كون ذلك المؤثر منسوباً إلى أثر آخر بعيد ، ثم إلى أبعد إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب وفاعل الكل ومبدأ المبادئ وإليك الاختيار بعقلك دون هواك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.