التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (262)

قوله تعالى : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صداقتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصاحبه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ) . قيل : إن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان – رضي الله عنه- إذ جاء في جيش العسرة بألف دينار ، فصبها في حجر رسول الله ( ص ) ، فجعل النبي يدخل يده فيها ويقلّبها ويقول : " ما ضرّ ابن عفان ما عمل بعد اليوم ، اللهم لا تنس هذا اليوم لعثمان " .

وقال أبو سعيد الخُدري : رأيت النبي ( ص ) رافعا يديه يدعو لعثمان يقول : " يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه " فما زال يدعو حتى طلع الفجر فنزله قوله تعالى : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ) {[341]} . وتتضمن الآية بعموم مدلولها عظيم الإطراء والثناء على المؤمنين الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله ، وذلك هو الإخلاص شرط القبول للأعمال ، وهم كذلك ، لا يُتعبون ما أنفقوا منّت ولا أذى . والمن هو ذكر النعمة على معنى التفضل والمفاخرة . نقول : مننت عليه منّا أي عددت له ما فعلت له من الصنائع . مثل أن تقول : أعطيتك ، أو فعلت لك ، أو أحسنت إليك ونحو ذلك{[342]} .

وينبغي التحذير من المن فإنه من الكبائر وإنه يذهب بأجر الأعمال مهما عظمت . فقد روى النسائي عن ابن عمر قال : قال رسول الله ( ص ) : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاقُّ لوالديه والمرأة المرتجلة تتشبه بالرجال والديوث ، وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى " .

وعن أبي الدرداء عن النبي ( ص ) قال : " لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر " .

أما الأذى فالمراد به ما كان مقترنا بالمن بعد العطية مما يمس شعور الآخذين وذلك كأم يقول المعطي للآخذ : ما أشد إلحاحك ، أو خلصنا الله منك ، ونحو ذلك فإنه لا يعطي أحد من ماله في سبيل الله محتسبا غير متبع عطيته منّا ولا أذى إلا كان له به عند الله جزيل الثواب .

وقوله ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) أي لا يخافون يوم القيامة من عذاب النار كما يخاف الناس ، فهم آمنون مطمئنون . وكذلك فإنهم لا يشعرون بالخزن والأسى لفراق الدنيا وما فيها من لذات وخيرات وذكريات وصحبة وذلك عند الموت ؛ لما يرونه من نعيم مقيم أفضل مقبلون عليه بعد رحيلهم عن هذه الحياة العاجلة الفانية الدنيا .


[341]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 55.
[342]:- تفسير البيضاوي ص 60 والكشاف جـ 1 ص 393.