غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (262)

261

ثم لما عظم أمر الإنفاق أردف ببيان الأمور التي يجب رعايتها حتى يبقى ذلك الثواب منها : ترك المن والأذى ، والمنّ قد يراد به الإنعام قال تعالى { ولا تمنن تستكثر }[ المدثر : 6 ] وقد يراد به إظهار الاصطناع وهو مذموم ولهذا قيل : صنوان من منح سائله ومنّ ومنع نائله وضنّ . وذلك لما فيه من انكسار قلب الفقير ، ومن تنفير ذوي الحاجة عن صدقته ، ومن عدم الاعتراف بأن النعمة نعمة الله والعباد عباده ، وأن المعطي هو الله . وإذا كان العبد في هذه الدرجة كان محروماً عن مطالعة الأسباب الربانية الحقيقية ، وكان في درجة البهائم التي لا يترقى نظرهن من المحسوس إلى المعقول ، ومن الآثار إلى المؤثرات . وأما الأذى فمنهم من حمله على أذى المؤمنين على الإطلاق ، والمحققون خصصوه بما تقدم ذكره وهو أن يتطاول على الفقير بما أدلى إليه ويقول له : ألست إلا مبرماً وما أنت إلا ثقيل ، وباعد الله ما بيني وبينك . ومعنى " ثم " تراخي الرتبة وإظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى ، وإن تركهما خير من نفس الإنفاق بل ترك كل منهما لأنهما نكرتان في سياق النفي { لهم أجرهم } وقال فيما يجيء { فلهم أجرهم }[ البقرة : 274 ] لأن الموصول ههنا لم يضمن معنى الشرط وضمنه ثمة ، وفرق معنوي وهو أن الفاء دلالة على أن الإنفاق سبب استحقاق الأجر وطرحها عارٍ عن تلك الدلالة . ثم إنه ذكر هنالك الإنفاق منهم على سبيل المواظبة والاستمرار فكان التأكيد بما يوجب الربط بينهما ما هنالك أنسب . { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي لا يخافون فوات ثواب الإنفاق . ولا يحزنون بالفوات كقوله { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً }[ طه : 112 ] والمراد أنهم يوم القيامة لا يخافون العذاب ولا يحزنهم الفزع الأكبر . ويعلم من قوله { في سبيل الله } أن قوله { لهم أجرهم } مشروط بأن لا يوجد منهم الكفر ، ويعلم من قوله { ثم لا يتبعون } أن المن والأذى من قبيل الكبائر حيث يخرجان هذه الطاعة العظيمة عن الاعتداد بها .

احتجت المعتزلة بالآية من وجهين : الأول أن العمل يوجب الأجر لقوله { لهم أجرهم } وأجيب بأن ذلك بسبب الوعد لا بسبب نفس العمل . الثاني أن الكبائر تحبط ثواب فاعلها وإلا لم يكن المن والأذى مبطلين ثواب الإنفاق ، وأجيب بأن الإنفاق على تقدير المن والأذى لا ثواب له أصلاً ، فكيف يتصور رفع ما لم يوجد ؟

/خ266