ثم لما عظم أمر الإنفاق أردف ببيان الأمور التي يجب رعايتها حتى يبقى ذلك الثواب منها : ترك المن والأذى ، والمنّ قد يراد به الإنعام قال تعالى { ولا تمنن تستكثر }[ المدثر : 6 ] وقد يراد به إظهار الاصطناع وهو مذموم ولهذا قيل : صنوان من منح سائله ومنّ ومنع نائله وضنّ . وذلك لما فيه من انكسار قلب الفقير ، ومن تنفير ذوي الحاجة عن صدقته ، ومن عدم الاعتراف بأن النعمة نعمة الله والعباد عباده ، وأن المعطي هو الله . وإذا كان العبد في هذه الدرجة كان محروماً عن مطالعة الأسباب الربانية الحقيقية ، وكان في درجة البهائم التي لا يترقى نظرهن من المحسوس إلى المعقول ، ومن الآثار إلى المؤثرات . وأما الأذى فمنهم من حمله على أذى المؤمنين على الإطلاق ، والمحققون خصصوه بما تقدم ذكره وهو أن يتطاول على الفقير بما أدلى إليه ويقول له : ألست إلا مبرماً وما أنت إلا ثقيل ، وباعد الله ما بيني وبينك . ومعنى " ثم " تراخي الرتبة وإظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى ، وإن تركهما خير من نفس الإنفاق بل ترك كل منهما لأنهما نكرتان في سياق النفي { لهم أجرهم } وقال فيما يجيء { فلهم أجرهم }[ البقرة : 274 ] لأن الموصول ههنا لم يضمن معنى الشرط وضمنه ثمة ، وفرق معنوي وهو أن الفاء دلالة على أن الإنفاق سبب استحقاق الأجر وطرحها عارٍ عن تلك الدلالة . ثم إنه ذكر هنالك الإنفاق منهم على سبيل المواظبة والاستمرار فكان التأكيد بما يوجب الربط بينهما ما هنالك أنسب . { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي لا يخافون فوات ثواب الإنفاق . ولا يحزنون بالفوات كقوله { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً }[ طه : 112 ] والمراد أنهم يوم القيامة لا يخافون العذاب ولا يحزنهم الفزع الأكبر . ويعلم من قوله { في سبيل الله } أن قوله { لهم أجرهم } مشروط بأن لا يوجد منهم الكفر ، ويعلم من قوله { ثم لا يتبعون } أن المن والأذى من قبيل الكبائر حيث يخرجان هذه الطاعة العظيمة عن الاعتداد بها .
احتجت المعتزلة بالآية من وجهين : الأول أن العمل يوجب الأجر لقوله { لهم أجرهم } وأجيب بأن ذلك بسبب الوعد لا بسبب نفس العمل . الثاني أن الكبائر تحبط ثواب فاعلها وإلا لم يكن المن والأذى مبطلين ثواب الإنفاق ، وأجيب بأن الإنفاق على تقدير المن والأذى لا ثواب له أصلاً ، فكيف يتصور رفع ما لم يوجد ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.