التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (264)

ثم يعاود الحق سبحانه دعوة العباد أن يخلصوا في العمل ومنه الصدقات فلا يبطلوها بالمن والأذى . فقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) ويستفاد من ذلك أن الصدقات للسائلين يحبطها المن والأذى لتصبح بذلك مجرد عمل من الأعمال التي تجري دون وزن أو حساب . وقوله : ( كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) الكاف في محل نصب لمصدر محذوف وتقديره : إبطالا كالذي . و ( رثاء ) ، مفعول لأجله منصوب . وقيل : حال . وقيل : وصف لمصدر محذوف وتقديره : إنفاقا رئاء الناس{[344]} . والله جل وعلا يحذر م بطلان الصدقات التي يعقبها المن والأذى . وشبيه بذلك بطلان صدقة المنفقين الذين يراؤون الناس . أولئك الذين ينفقون وهم يظهرون أنهم يبتغون وجه الله ، لكنهم في حقيقة نواياهم يخفون غير ذلك ، إذ يبتغون بنفقاتهم وصدقاتهم حسن الثناء والذكر وتمام الشهرة والمديح . ومعلوم أن أساس القبول للأعمال منوط بسلامة النوايا واستقامتها " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ولا يكون الإنسان مرائيا منافقا يبتغي بعمله وصدقاته غير وجه الله إلا كان كالمنافق الذي ينفق أمواله رياء وطلبا لإرضاء الناس ولا يبتغي بذلك ثواب الآخرة فهو غير مؤمن بها ؛ لذلك قال سبحانه : ( كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) أي أن المنانين يبطلون صدقاتهم بمنهم وأذاهم ، وهم في ذلك يشبهون المنافقين المرائين الذين يبتغون بنفقاتهم وصدقاتهم ثناء الناس وإطراءهم ، ولا يبتغون وجه الله ، فأولئك فاسقون كفرة لا يؤمنون بالله ولا بيوم القيامة .

وقوله : ( فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا ) ( صفوان ) جمع ومفردة صفوانة . وقيل : مفرد بمعنى الصفا وهو الصخر الأملس . والصلد هو الحجر الأملس{[345]} وذلك هو مثل الذي ينفق أو يتصدق ثم يبطل عمله بالمن والأذى أو لرياء . فمثله كالحجر الذي يغطيه التراب حتى إذا أصاب ( وابل ) وهو المطر الشديد{[346]} ، بات عاريا أملس مجردا من التراب الذي يغطيه ، والذي ينبعث منه الخير والرزق والنماء والبركة .

وتلك حال المتصدق المنان أو المرائي ، فإن عمله حابط متجرد من الثواب والقيمة كالصخر الذي يتجرد من التراب مصدر الخير والبركة ، كلما أصابه مطر غزير ليصبح بعد ذلك حاسرا مكشوفا أملس لا خير فيه .

وقوله : ( لا يقدرون على شيء مما كسبوا ) هؤلاء المنانون المراؤون لا ينالون شيئا من ثواب بدلا عما قدموه من صدقات وأعمال ، بل إن ما قدموا من عمل خالطته المنة لا جرم حابط .

قوله : ( والله لا يهدي القوم الكافرين ) هؤلاء المنانون المراؤون الذين لا يبتغون وجه الله أشبه بالكافرين ، فهم لا يهتدون إلى سبيل الحق والنجاة ، وليس لهم من الله دليل يقودهم إلى الخير ، لأنهم ركنوا إلى الأهواء والشهوات . وذلك تعريض بحال منانين ، وتنبيه على أن الرياء والمن والأذى في الإنفاق من صفات الكافرين . وفي ذلك تحذير للمؤمنين ؛ لينأوا بأنفسهم عن مفسدة الرياء في النفقات .


[344]:- البيان للأنباري ج1 ص 174.
[345]:- مختار الصحاح ص 366.
[346]:- مختار الصحاح ص 707.