فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (262)

قوله : { الذين يُنفِقُونَ أموالهم فِي سَبِيلِ الله } هذه الجملة متضمنة لبيان كيفية الإنفاق الذي تقدّم ، أي : هو إنفاق الذين ينفقون ، ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ، ولا أذى . والمنّ هو : ذكر النعمة على معنى التعديد لها ، والتقريع بها ، وقيل : المنّ : التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطي فيؤذيه ، والمن من الكبائر ، كما ثبت في صحيح مسلم ، وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب عظيم . والأذى : السب ، والتطاول ، والتشكي . قال في الكشاف : ومعنى : «ثم » إظهار التفاوت بين الإنفاق ، وترك المنّ ، والأذى ، وإن تركهما خير من نفس الإنفاق ، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله { ثُمَّ استقاموا } [ فصلت : 30 ] . انتهى . وقدم المنّ على الأذى لكثرة وقوعه ، ووسط كلمة " لا " للدلالة على شمول النفي . وقوله : { عِندَ رَبّهِمْ } فيه تأكيد ، وتشريف . وقوله : { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } ظاهره نفي الخوف عنهم . في الدارين لما تفيده النكرة الواقعة في سياق النفي من الشمول ، وكذلك { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } يفيد دوام انتفاء الحزن عنهم .

/خ265