الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (262)

المن : أن يعتدّ على من أحسن إليه بإحسانه ، ويريد أنه اصطنعه وأوجب عليه حقاً له : وكانوا يقولون : إذا صنعتم صنيعة فانسوها . ولبعضهم :

وَإنّ امْرَأً أَسْدَى إلَىَّ صَنِيعَةً *** وَذَكّرَنِيهَا مَرَّةً لَلئِيمُ

وفي نوابغ الكلم : صنوان من منح سائله ومنّ ، ومن منع نائله وضنّ . وفيها طعم الآلاء أحلى من المنّ وهي أمرّ من الآلاء مع المنّ . والأذى : أن يتطاول عليه بسبب ما أزال إليه : ومعنى «ثم » إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى ، وأنّ تركهما خير من نفس الإنفاق ، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله : { ثُمَّ استقاموا } [ فصلت : 30 ] .

فإن قلت : أي فرق بين قوله : { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } وقوله فيما بعد : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ } ؟ قلت : الموصول لم يضمن ههنا معنى الشرط . وضمنه ثمة . والفرق بينهما من جهة المعنى أنّ الفاء فيها دلالة على أنّ الإنفاق به استحق الأجر ، وطرحها عار عن تلك الدلالة .