التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفٗا} (105)

قوله تعالى : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ( 105 ) فيذرها قاعا صفصفا ( 106 ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( 107 ) يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا ( 108 ) يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قول ( 109 ) ا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ( 110 ) وعنت الوجوه للحي لقيوم وقد خاب من حمل ظلما ( 111 ) ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ( 112 ) } .

هذه صورة شاخصة مثيرة تتجلى فيها أحداث القيامة الجسام وأهوالها الفظيعة العظام . القيامة بفظائعها وقواصمها ودواهيها المريعة تتبدى للذهن والخيال من خلال هذه الكلمات الربانية المذهلة ، على طريقة القرآن في أسلوبه العجيب المصور وعباراته وألفاظه الندية النفاذة ، وحروفه المميزة العذاب ذات الإيقاع الموحي والجرس الشجي بما يثير في نفس المتدبر البصير مزيجا من إحساسات فياضة شتى من البهجة والارتياع والوجوم والذعر في آن . كل ذلك تثيره هذه الآيات الحافلة العجاب في خيال القارئ المدّكر وهو يرددها مرات ومرات فلا يعتريه مَلال ولا سآمة . وليس أدل من ذلك على أن القرآن يفوح منه سرّ مستعذب يدركه القارئ الخبير فيستيقن أنه معجز وأنه من لدن إله حكيم . قوله : ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ) سألوا رسول الله ( ص ) عن حال الجبال ؛ يوم القيامة وما يُصنع بها ، وقيل : إن سألوك عن الجبال . فقد علم الله أنهم يسألونه عنها فأجابهم الله ( ينسفها ربي نسفا ) النسف ، معناه القلع من الأصل . ونسف الجبال ؛ أي دكها دكا وذرّاها{[2993]} . والمراد : أن الجبال يقلعها الله يوم القيامة من أصولها ثم يصيّرها رملا تذروه الرياح ثم تصير بعد ذلك كالعهن المنفوش وهو الصوف فتطيره الرياح في كل جهة ومكان .


[2993]:- القاموس المحيط جـ3 ص 206.