مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفٗا} (105)

قوله تعالى :{ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ، فيذرها قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ، وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ، ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما }

اعلم أنه تعالى لما وصف أمر يوم القيامة حكى سؤال من لم يؤمن بالحشر فقال : { ويسألونك عن الجبال } وفي تقرير هذا السؤال وجوه . أحدها : أن قوله : { يتخافتون } وصف من الله تعالى لكل المجرمين بذلك ، فكأنهم قالوا : كيف يصح ذلك والجبال حائلة ومانعة من هذا التخافت وثانيها : قال الضحاك : نزلت في مشركي مكة قالوا : يا محمد كيف تكون الجبال يوم القيامة ؟ وكان سؤالهم على سبيل الاستهزاء . وثالثها : لعل قومه قالوا : يا محمد إنك تدعي أن الدنيا ستنقضي فلو صح ما قلته لوجب أن تبتدئ أولا بالنقصان ثم تنتهي إلى البطلان ، لكن أحوال العالم باقية كما كانت في أول الأمر ، فكيف يصح ما قلته من خراب الدنيا ؟ وهذه شبهة تمسك بها جالينوس في أن السموات لا تفنى ، قال : لأنها لو فنيت لابتدأت في النقصان أولا حتى ينتهي نقصانها إلى البطلان ، فلما لم يظهر فيها النقصان علمنا أن القول بالبطلان باطل ، ثم أمر الله تعالى رسوله بالجواب عن هذا السؤال وضم إلى الجواب أمورا أخر في شرح أحوال القيامة وأهوالها .

الصفة الأولى : قوله : { فقل ينسفها ربي نسفا } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : إنما قال : { فقل } مع فاء التعقيب لأن مقصودهم من هذا السؤال الطعن في الحشر والنشر ، فلا جرم أمره بالجواب مقرونا بفاء التعقيب . لأن تأخير البيان في مثل هذه المسألة الأصولية غير جائز ، أما في المسائل الفروعية فجائزة ، لذلك ذكر هناك قل من غير حرف التعقيب .

المسألة الثانية : الضمير في قوله : { ينسفها } عائد إلى الجبال والنسف التذرية ، أي تصير الجبال كالهباء المنثور تذرى تذرية فإذا زالت الجبال الحوائل فيعلم صدق قوله : { يتخافتون } قال الخليل : { ينسفها } أي يذهبها ويطيرها .