قوله تعالى : { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأوليك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله إن الله بكل شيء عليم } أي الذين آمنوا بالله ورسوله من بعد الحديبية وبيعة الرضوان ؛ فهؤلاء أقل رتبة ممن هاجر الهجرة الأولى ؛ لأن الثانية وقع فيها الصلح وهدأت الحرب مدة عامين ثم كان فتح مكة . وفي الحديث : ( لا هجرة بعد الفن ) فمن آمن وهاجر بعد ذلك ؛ فإنه يلتحق بالمؤمنين وهم المهاجرين السابقون . وهذا معنى قوله : { فأولئك منكم } أي في النصر والموالاة ؛ فهم بذلك منكم في الولاية ؛ إذ يجب لهم عليكم من الحق والنصرة في الدين مثل الذي يجب لكم عليهم ولبعضكم على بعض .
وقوله : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } وليس المراد بأولي الأرحام خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا هم عصبة ؛ وإنما يدلون بوارث كالخالة والخال ، والعمة ، وأولاد البنات ، وأولاد الأخوات ونحوهم . بل إن الآية عامة تشمل جميع القرابات . وفيهم ذوو الأرحام بالاسم المخصوص ، على الخلاف في توريث هؤلاء . وفي الجملة : فغن أولي القرابات أولى بالتوارث . وهذا نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة .
أما { أولوا الأرحام } ، وهم من لا سهم لهم في الكتاب الحكيم وليسوا بعصبة كأولاد البنات ، وأولاد الأخوات ، وبنات الأخ ، والعمة ، والخالة ، والعم أخ الأب للأم ، والجد أبي الأم ، والجدة أم الأم ، ومن أولى بهم ، ففي توريث هؤلاء خلاف ؛ فقد قيل : لا يرث من لا فرض له من ذوي الأرحام . وهو قول المالكية والشافعية ، وقد روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عمر ، وهو رواية عن علي ، وهو قول مكحول والأوزاعي . ووجه هذا القول : الاستناد إلى قوله : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى بعض } وهذا مجمل فيما حصلت فيه الأولوية . فلما قال بعدها : { في كتاب الله } كان معناه في الحكم الذي بينه الله في سورة النساء ؛ فصارت هذه الأولوية مقيدة بما بينه الله من أحكام ذكرها في كتابه الحكيم . وهذه الأحكام هي ميراث العصبات دون غيرها ؛ فلزم بذلك ألا تتعدى المراد من هذا المجمل إلى توريث دوي الأرحام .
وذهب آخرون من أهل العلم إلى توريث أولي أرحام . وهو قول الحنيفة ، وأحمد وإسحاق ، وقال به من الصحابة : عمر بن الخطاب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وعائشة ، وعلي في رواية عنه .
واحتجوا بظاهر هذه الآية : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وقوله تعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } واسم القرابة يشمل بإطلاقه ذوي الأرحام .
واحتجوا من السمة بما أخرجه أبو داود والدارقطني عن المقدام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ترك كلا فإلي ، ومن ترك مالا فلورثته ؛ فأنا وارث من لا وارث له ؛ أعقل عنه وأرثه ؛ والخال وارث من لا وارث له ؛ يعقل عنه ويرثه ) .
وروي الدارقطني عن طاووس قال : قالت عائشة ( رضي الله عنها ) : ( الله مولي من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له ) . وروي عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الخال وارث ) .
واستدلوا بالمعقول على توريث أولى الأرحام فقالوا : إن ذوي الأرحام أولى بالتوريث من المسلمين ؛ لأنهم قد اجتمع لهم سببان وهما القرابة والإسلام ، فأشبهوا تقديم الأخ الشقيق على الأخ للأب ؛ فهم أولى ممن له سبب واحد وهو الإسلام .
قوله : { إن الله بكل شيء عليم } اله عليم بالأشياء ، ما ظهر منها وما بطن . وهو سبحانه أعلم بما ينفع الناس وما يصلح عليه حالهم من أحكام وتشريع . وما شرعه الله لعباده لهو الحق والصواب . وليس فيه شيء من البعث او الباطل{[1704]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.